العجيبة ، وبه تقع ـ غالبا ـ المزايا التى بها التفاضل ، ولكونه أصلا فى الكلام ، لأنّ الإنشاء إنّما يحصل منه باشتقاق كالأمر والنهى ، أو نقل كـ «بئس» و «نعم» وبعت واشتريت ، أو زيادة أداة كالاستفهام والتمنى وما أشبه ذلك.
ثم قدم بحث أحوال الإسناد على أحوال المسند إليه والمسند مع أنّ النسبة متأخرة عن الطرفين ، لأنّ علم المعانى إنّما يبحث عن أحوال اللفظ الموصوف بكونه مسندا إليه ومسندا. وهذا الوصف إنّما يتحقق بعد تحقيق الإسناد ، لأنه ما لم يسند أحد الطرفين إلى الآخر لم يصر أحدهما مسندا إليه والآخر مسندا. والمتقدم على النسبة إنّما هو ذات الطرفين ولا بحث لنا عنهما» (١).
ومهما حاول أنصار هذا المنهج أن يوجهوه فان البلاغة التى نقيس بها الأدب ونحكم عليه لا يمكن أن يعلل منهج بحثها هذا التعليل ، وأن يصطنع لها اصطناعا يبعدها عن روحها الأدبية. ولكن هل نجح السكاكى فى هذا المنهج؟ وهل استطاع أن يحصر موضوعات علم المعانى حصرا دقيقا؟
الواقع أنّه لم ينجح فى هذا التقسيم الذى بناه على المنطق وحده ، فحصر به موضوعات المعانى حصرا مزقها تمزيقا أفقدها كل حياة ، وباعد بينها وبين ما يتطلبه الفن الأدبى الذى ينبغى أن يعتمد ـ أول ما يعتمد ـ على الذوق الرفيع.
ولتوضيح ذلك نقول إنّ السكاكى قسّم مباحث المعانى حسب ركنى الجملة ـ المسند إليه والمسند ـ وعلى هذا الأساس ذكر التقديم ـ مثلا ـ فى المسند إليه مرة وفى المسند تارة أخرى. وفعل مثل هذا بالموضوعات الأخرى كالتأخير ، والحذف ، والذكر ، والتعريف والتنكير. وكان من الدقة أن يبحث كل موضوع بحثا مستقلا فيتكلم على التقديم والتأخير فى فصل ، والذكر والحذف فى ثان ، والتعريف والتنكير فى ثالث ، وبذلك تجمع أوصال الموضوع الواحد فى بحث يستوفى أجزاءه ويجمع شتاته. أمّا أن يوزع
__________________
(١) المطول ص ٤٣.