الهائلة ، وما هي إلّا لحظة حتّى انهار هذا السدّ ليضع النهاية لتلك الحياة الزاهية ، ودمّر القرى المعمورة ، الجنان ، المزارع ، المحاصيل ، قضى على الحيوانات ، هدّم القصور والبيوت الجميلة الجذّابة ، وتحوّلت تلك الأرض الحيّة إلى صحراء جافّة لا ماء فيها ولا كلأ ، ولم يبق من تلك الجنان والأشجار المثمرة إلّا شجر (الأراك) المرّ ، و (شجر المنّ) وقليل من (السدر) ، وهاجرت الطيور المغردة ليحلّ محلّها البوم والغربان ... (١).
نعم ، حينما يريد الله سبحانه وتعالى إظهار قدرته ، فإنّه يدمّر مدينة راقية بعدد من الفئران حتّى يتّضح للعباد مدى ضعفهم ولا يغترّوا بقدرتهم مهما بلغت.
٢ ـ الإعجاز القرآني التأريخي
أورد القرآن الكريم قصّة «قوم سبأ» في الوقت الذي كان المؤرخّون لا يعلمون شيئا عن وجود هؤلاء القوم ، وعن مثل تلك المدنيّة. والملفت للنظر أنّ المؤرخّين قبل الاكتشافات الحديثة ، لم يذكروا شيئا حول سلسلة ملوك سبأ والمدنية العظيمة لهم ، واعتقدوا فقط بأنّ (سبأ) هو شخص افتراضي ، عرف كأب مؤسّس لدولة «حمير» ، في حين أنّ القرآن الكريم أفرد سورة كاملة باسم هؤلاء القوم وأشار إلى أحد مظاهر مدينتهم وهو بناؤهم (لسدّ مأرب) التأريخي.
ولكن بعد الكشوف عن الآثار التأريخية لهؤلاء القوم في اليمن ، تغيّرت أفكار علماء التأريخ. والسبب في تأخّر الكشف عن الآثار التأريخية لهؤلاء القوم يعود إلى :
١ ـ صعوبة الطريق المؤدّية إلى مناطق التنقيب وشدّة حرارة الجو هناك.
٢ ـ تنفّر سكنة المنطقة حاليا من الأجانب ، ممّا جعل الأوربيين غير المطّلعين
__________________
(١) اقتباس من تفسير مجمع البيان وقصص القرآن وتفاسير اخرى.