٢ ـ أمنوا على أموالكم بتأمين إلهي!!
لأحد المفسّرين تحليل جميل بهذا الخصوص ، يقول : «ثمّ إنّ من العجب أنّ التاجر إذا علم أنّ مالا من أمواله في معرض الهلاك يبيعه نسيئة وإن كان من الفقراء ، ويقول بأنّ ذلك أولى من الإمهال إلى أن يهلك المال ، فإن لم يبع حتّى يهلك ينسب إلى الخطأ ، ثمّ إن حصل به كفيل مليء ولا يبيع ينسب إلى قلّة العقل.
فإن حصل به رهن وكتب به وثيقة ولا يبيعه ينسب إلى الجنون ، ثمّ إنّ كلّ أحد يفعل هذا ولا يعلم أنّ ذلك قريب من الجنون ، فإنّ أموالنا كلّها في معرض الزوال المحقّق ، والإنفاق على الأهل والولد إقراض ، وقد حصل الضامن المليء وهو الله العلي وقال تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) ثمّ رهن عند كلّ واحد إمّا أرضا أو بستانا أو طاحونة ، أو حمّاما أو منفعة ، فإنّ الإنسان لا بدّ أن يكون له صفة أو جهة يحصل له منها مال ، وكلّ ذلك ملك الله ، وهو في يد الإنسان بحكم العارية ، فكأنّه مرهون بما تكفّل الله من رزقه ليحصل له الوثوق التامّ ، ومع هذا لا ينفق ويترك ماله ليتلف لا مأجورا ولا مشكورا» (١).
٣ ـ سعة مفهوم الإنفاق :
لأجل فهم الحدّ لمفهوم الإنفاق في الإسلام ، نطالع الحديث التالي عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله إذ يقول : «كلّ معروف صدقة ، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة ، وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها ، إلّا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية» (٢).
يبدو أنّ استثناء البنيان من قانون الإخلاف ، لأنّ عين البناء باقية ، أو لأنّه يكثر توجّه الناس إليه.
* * *
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ، مجلّد ٢٥ ، ص ٢٦٣ (ذيل الآيات مورد البحث).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (القرطبي) ، مجلّد ١٤ ، ص ٣٠٧.