القدر من القوّة حتى جعله أصلا يردّ إليه ، ويحمل غيره عليه. وسنورد فيما بعد بابا لما يسوّغه القياس وإن لم يرد به السماع ، بإذن الله وحوله.
ومن ذلك ـ أعنى الاستحسان ـ أيضا قول الشاعر :
أريت إن جئت به أملودا |
|
مرجّلا ويلبس البرودا (١) |
أقائلنّ أحضروا الشهودا (٢) |
فألحق نون التوكيد اسم الفاعل ؛ تشبيها له بالفعل المضارع. فهذا إذا استحسان ، لا عن قوة علّة ، ولا عن استمرار عادة ؛ ألا تراك لا تقول : أقائمنّ يا زيدون ، ولا أمنطلقنّ يا رجال ؛ إنما تقوله بحيث سمعته ، وتعتذر له ، وتنسبه إلى أنّه استحسان منهم ، على ضعف منه واحتمال بالشبهة له.
ومن الاستحسان قولهم : صبية ، وقنية ، وعذى ، وبلى سفر ، وناقة عليان ، ودبّة (٣) مهيار. فهذا كلّه استحسان لا عن استحكام علّة. وذلك أنهم لم يعتدّوا الساكن حائلا بين الكسرة والواو ؛ لضعفه ، وكلّه من الواو. وذلك أن (قنية) من قنوت ، ولم يثبت أصحابنا قنيت ، وإن كان البغداديّون قد حكوها ؛ (وصبية) من صبوت ؛ و (علية) من علوت ، و (عذى) من قولهم أرضون عذوات ؛ و (بلى) سفر من قولهم فى معناه : بلو أيضا ؛ ومنه البلوى ، وإن لم يكن فيها دليل ، إلّا أن الواو مطّردة فى هذا الأصل ؛ قال :
* فأبلاهما خير البلاء الذى يبلو (٤) *
__________________
(١) الملد : الشباب ونعمته ، ورجل أملود. وامرأة أملود وأملودة : ناعمة. اللسان (ملد).
(٢) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٤٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ١١٨ ، ٣ / ٦٤٨ ، ٤ / ٣٣٤ ، ولرجل من هذيل فى حاشية يس ١ / ٤٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥ ، والدرر ٥ / ١٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٥٨ ، ولرؤبة أو لرجل من هذيل فى خزانة الأدب ١١ / ٤٢٠ ، ٤٢٢ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (رأى) ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢٤٢ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٤ ، والجنى الدانى ص ١٤١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦ ، والمحتسب ١ / ١٩٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.
(٣) الدبة : الكثيب من الرمل.
(٤) عجز البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ١٠٩ ، ولسان العرب (بلا) وتهذيب اللغة ١٥ / ٣٩٠ ، ومقاييس اللغة ١ / ٢٩٤ ، وديوان الأدب ٤ / ١٠٦ ، وتاج العروس ـ