وإن رأيت الحجج الرواددا |
|
قواصرا بالعمر أو مواددا (١) |
قلت : هذا ظهر على أصله منبهة على بقيّة بابه ، فتعلم به أنّ أصل الأصمّ أصمم ، وأصل صبّ صبب ، وأصل الدوابّ والشوابّ الدوابب والشوابب ؛ على ما نقوله فى نحو استصوب وبابه : إنما خرج على أصله إيذانا بأصول ما كان مثله.
فإن قيل : فكيف اختصّت هذه الألفاظ ونحوها بإخراجها على أصولها دون غيرها؟ قيل : رجع الكلام بنا وبك إلى ما كنّا فرغنا منه معك فى باب استعمال بعض الأصول وإهمال بعضها ؛ فارجع إليه تره إن شاء الله.
وهذا الذى قدّمناه آنفا هو الذى عناه أبو بكر رحمهالله بقوله : قد تكون علّة الشىء الواحد أشياء كثيرة ، فمتى عدم بعضها لم تكن علّة. قال : ويكون أيضا عكس هذا ، وهو أن تكون علّة واحدة لأشياء كثيرة. أمّا الأوّل فإنه ما نحن بصدده من اجتماع أشياء تكون كلّها علّة ، وأمّا الثانى فمعظمه الجنوح إلى المستخفّ ، والعدول عن المستثقل. وهو أصل الأصول فى هذا الحديث ؛ وقد مضى صدر منه. وسترى بإذن الله بقيّته.
واعلم أن هذه المواضع التى ضممتها ، وعقدت العلة على مجموعها ، قد أرادها أصحابنا وعنوها ، وإن لم يكونوا جاءوا بها مقدّمة محروسة فإنهم لها أرادوا ، وإيّاها نووا ؛ ألا ترى أنهم إذا استرسلوا فى وصف العلّة وتحديدها قالوا : إن علّة شدّ ومدّ ونحو ذلك فى الادغام إنما هى اجتماع حرفين متحرّكين من جنس واحد.
فإذا قيل لهم : فقد قالوا : قعدد ، وجلبب ، واسحنكك ، قالوا : هذا ملحق ، فلذلك ظهر. وإذا ألزموا نحو اردد الباب ، واصبب الماء ، قالوا : الحركة الثانية عارضة لالتقاء الساكنين ، وليست بلازمة. وإذا أدخل عليهم نحو جدد ، وقدد ، وخلل (٢) ، قالوا : هذا مخالف لبناء الفعل. وإذا عورضوا بنحو طلل ، ومدد ، فقيل لهم : هذا على وزن الفعل قالوا : هو كذلك ، إلا أن الفتحة خفيفة ، والاسم أخفّ من الفعل ، فظهر التضعيف فى الاسم ؛ لخفّته ، ولم يظهر فى الفعل ـ نحو
__________________
(١) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ٤٥ ، وتاج العروس (ردد) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٥٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٦٤. ويروى الحجيج بدلا من : الحجج.
(٢) والخلل جمع الخلّة. والخلة من النبات ما كانت فيه حلاوة من المرعى. اللسان (خلل).