الأفعال ، فضلا عن أن تعمل فيها. وقد استقرّ من قوله فى غير مكان ذكر عدّة الحروف الناصبة للفعل ، وليست فيها حتّى. فعلم بذلك وبنصّه عليه فى غير هذا الموضع أنّ (أن) مضمرة عنده بعد حتّى ، كما تضمر مع اللام الجارّة فى نحو قوله سبحانه (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ٢] ونحو ذلك. فالمذهب إذا هو هذا.
ووجه القول فى الجمع بين القولين بالتأويل أن الفعل لمّا انتصب بعد حتى ، ولم تظهر هناك (أن) وصارت حتّى عوضا منها ، ونائبة عنها نسب النصب إلى (حتّى) وإن كان فى الحقيقة لـ (أن).
ومثله معنى لا إعرابا قول الله سبحانه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ٧] فظاهر هذا تناف بين الحالتين ؛ لأنه أثبت فى أحد القولين ما نفاه قبله : وهو قوله ما رميت إذ رميت. ووجه الجمع بينهما أنه لمّا كان الله أقدره على الرمى ومكّنه منه وسدّده له وأمره به فأطاعه فى فعله نسب الرمى إلى الله ، وإن كان مكتسبا للنبى صلىاللهعليهوسلم مشاهدا منه.
ومثله معنى قولهم : أذّن ولم يؤذّن ، وصلّى ولم يصلّ ، ليس أن الثانى ناف للأوّل ، لكنه لمّا لم يعتقد الأوّل مجزئا لم يثبته صلاة ولا أذانا.
وكلام العرب لمن عرفه وتدرّب بطريقها فيه جار مجرى السحر لطفا ، وإن جسا (١) عنه أكثر من ترى وجفا.
ومن ذلك أن يرد اللفظان عن العالم متضادّين ، غير أنه قد نصّ فى أحدهما على الرجوع عن القول الآخر ، فيعلم بذلك أن رأيه مستقرّ على ما أثبته ولم ينفه ، وأن القول الآخر مطّرح من رأيه.
فإن تعارض القولان مرسلين ، غير مبان أحدهما من صاحبه بقاطع يحكم عليه به بحث عن تاريخهما ، فعلم أن الثانى هو ما اعتزمه ، وأن قوله به انصراف منه عن القول الأوّل ؛ إذ لم يوجد فى أحدهما ما يماز به عن صاحبه.
فإن استبهم الأمر فلم يعرف التاريخ وجب سبر المذهبين ، وإنعام الفحص عن حال القولين. فإن كان أحدهما أقوى من صاحبه وجب إحسان الظنّ بذلك
__________________
(١) جسا الرجل جسوا وجسوّا : صلب. اللسان (جسا).