الخاطر فى حضوره تارة ، ومغيبه أخرى. وهذا يدلّ على أنه من عند الله. فقال : نعم ، هو من عند الله ، إلا أنه لا بدّ من تقديم النظر ؛ ألا ترى أن حامدا البقّال لا يخطر له.
ومن طريف حديث هذا الخاطر أننى كنت منذ زمان طويل رأيت رأيا جمعت فيه بين معنى آية ومعنى قول الشاعر :
وكنت أمشى على رجلين معتدلا |
|
فصرت أمشى على أخرى من الشجر (١) |
ولم أثبت حينئذ شرح حال الجمع بينهما ثقة بحضوره متى استحضرته ، ثم إنى الآن ـ وقد مضى له سنون ـ أعانّ (٢) الخاطر وأستثمده (٣) ، وأفانيه (٤) وأتودّده ، على أن يسمح لى بما كان أرانيه من الجمع بين معنى الآية والبيت ، وهو معتاص متأبّ ، وضنين به غير معط.
وكنت وأنا أنسخ التذكرة لأبى علىّ إذا مرّ بى شيء قد كنت رأيت طرفا منه ، أو ألممت به فيما قبل أقول له : قد كنت شارفت هذا الموضع ، وتلوّح لى بعضه ، ولم أنته إلى آخره ، وأراك أنت قد جئت به واستوفيته وتمكّنت فيه ، فيتبسّم ـ رحمهالله ـ ، له ويتطلق إليه ؛ سرورا باستماعه ، ومعرفة بقدر نعمة الله عنده فيه ، وفى أمثاله.
وقلت مرّة لأبى بكر أحمد بن على الرازىّ ـ رحمهالله ـ وقد أفضنا فى ذكر أبى علىّ ونبل قدره ، ونباوة (٥) محلّه : أحسب أن أبا علىّ قد خطر له وانتزع من
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للجعدى فى ديوانه ص ١٧٨ ، ولسان العرب (أتى) ، (ولى) ، وتاج العروس (أتى) ، (ولى) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (حلب) ، وديوان الأدب (٣ / ٢٢٤) ، وتاج العروس (حلب).
(٢) أى : أعارض ، يقال : عنّ الشىء أى اعترض ، والعنن : الاعتراض. اللسان (عنن).
(٣) الثّمد والثّمد : الماء القليل الذى لا مادّ له. وفى حديث طهفة : وافجر لهم الثّمد وهو ـ بالتحريك ـ الماء القليل ، أى افجره لهم حتى يصير كثيرا وانظر اللسان (ثمد).
(٤) المفاناة : المداراة ، وفانيت الرجل : داريته. اللسان (فنى).
(٥) نباوة : الارتفاع والشرف ، والنّبوة والنباوة والنبىّ : ما ارتفع من الأرض.