وإتباعهم إيّاها فروعه ـ وكذا ينبغى أن يعتقد ذلك منهم ؛ لما نذكره آنفا ـ فهو مفخر لهم ، ومعلم من معالم السّداد ، دلّ على فضيلتهم.
والذى يدلّ على أنهم قد أحسّوا ما أحسسنا ، وأرادوا [وقصدوا] ما نسبنا إليهم إرادته وقصده شيئان : أحدهما حاضر معنا ، والآخر غائب عنا ، إلا أنه مع أدنى تأمّل فى حكم الحاضر معنا.
فالغائب ما كانت الجماعة من علمائنا تشاهده من أحوال العرب (ووجوهها) ، وتضطرّ إلى معرفته من أغراضها وقصودها : من استخفافها شيئا أو استثقاله ، وتقبّله أو إنكاره ، والأنس به أو الاستيحاش منه ، والرضا به ، أو التعجّب من قائله ، وغير ذلك من الأحوال الشاهدة بالقصود ، بل الحالفة على ما فى النفوس ؛ ألا ترى إلى قوله :
تقول ـ وصكّت وجهها بيمينها ـ |
|
أبعلي هذا بالرحى المتقاعس! (١) |
فلو قال حاكيا عنها : أبعلي هذا بالرحى المتقاعس ـ من غير أن يذكر صكّ الوجه ـ لأعلمنا بذلك أنها كانت متعجّبة منكرة ، لكنّه لمّا حكى الحال فقال : (وصكّت وجهها) علم بذلك قوّة إنكارها ، وتعاظم الصورة لها. هذا مع أنك سامع لحكاية الحال ، غير مشاهد لها ، ولو شاهدتها لكنت بها أعرف ، ولعظم الحال فى نفس تلك المرأة أبين ، وقد قيل (ليس المخبر كالمعاين) ولو لم ينقل إلينا هذا الشاعر حال هذه المرأة بقوله : وصكّت وجهها ، لم نعرف به حقيقة تعاظم الأمر لها. وليست كلّ حكاية تروى لنا ، ولا كلّ خبر ينقل إلينا يشفع به شرح الأحوال التابعة له ، المقترنة ـ كانت ـ به. نعم ولو نقلت إلينا لم نفد بسماعها ما كنا نفيده لو حضرناها.
وكذلك قول الآخر :
__________________
(١) البيت لهذلول بن كعب العنبرى فى شرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٦٩٦ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٨ / ٤٣٠ ، والخصائص ١ / ٢٤٥ ، والدرر ١ / ٢٩٣ ، واللامات ص ٥٨ ، والمنصف ١ / ١٣٠. القعس : نقيض الحدب ، وهو خروج الصدر ودخول الظهر. اللسان (قعس).