* قلنا لها قفى لنا قالت قاف (١) *
لو نقل إلينا هذا الشاعر شيئا آخر من جملة الحال فقال مع قوله «قالت قاف» : (وأمسكت بزمام بعيرها) ، أو (عاجته علينا) لكان أبين لما كانوا عليه ، وأدلّ على أنها أرادت : وقفت ، أو توقّفت ، دون أن يظنّ أنها أرادت : قفى لنا! أى يقول لى : قفى لنا! متعجّبة منه. وهو إذا شاهدها وقد وقفت علم أن قولها (قاف) إجابة له ، لا ردّ لقوله وتعجّب منه فى قوله «قفى لنا».
وبعد فالحمّالون والحمّاميّون ، والساسة ، والوقّادون ، ومن يليهم ويعتدّ منهم ، يستوضحون من مشاهدة الأحوال ما لا يحصّله أبو عمرو من شعر الفرزدق إذا أخبر به عنه ، ولم يحضره ينشده. أولا تعلم أن الإنسان إذا عناه أمر فأراد أن يخاطب به صاحبه ، وينعم تصويره له فى نفسه استعطفه ليقبل عليه ؛ فيقول له : يا فلان ، أين أنت ، أرنى وجهك ، أقبل علىّ أحدّثك ، أما أنت حاضر يا هناه. فإذا أقبل عليه ، وأصغى إليه ، اندفع يحدّثه أو يأمره أو ينهاه ، أو نحو ذلك. فلو كان استماع الأذن مغنيا عن مقابلة العين ، مجزئا عنه لما تكلّف القائل ، ولا كلّف صاحبه الإقبال عليه ، والإصغاء إليه. وعلى ذلك قال :
العين تبدى الذى فى نفس صاحبها |
|
من العداوة أو ودّ إذا كانا (٢) |
وقال الهذلىّ :
رفونى وقالوا : يا خويلد لا ترع |
|
فقلت ـ وأنكرت الوجوه ـ : هم هم (٣) |
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى اللسان (وقف) والتهذيب ١٥ / ٦٧٩ ، والتاج (سين). رفونى : سكّنونى. وقال ابن هانئ يريد رفئونى ، فألقى الهمزة. ومعناه أنى فزعت فطار قلبى فضموا بعضى إلى بعض. وانظر اللسان (رفأ ، رفو).
(٢) البيت فى بيان الجاحظ بتحقيق الأستاذ هارون ١ / ٧٩. وقبله :
والعين تنطق ، والأفواه صامتة |
|
حتى ترى من ضمير القلب تبيانا (نجار). |
(٣) البيت له فى خزانة الأدب ١ / ٤٤٠ ، ٤٤٢ ، ٥ / ٨٦ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ٣٣٧ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٨٣ ، ولسان العرب (رفأ) ، (روع) ، (رفا) ، (ها) ، والمعانى الكبير ص ٩٠٢ ، وللهذلى دون تحديد فى إصلاح المنطق ص ١٥٣ ، وأمالى المرتضى ١ / ٣٥٠ ، وتذكرة النحاة ص ٥٧١ ، وبلا نسبة فى الاشتقاق ص ٤٨٨ ، وجمهرة اللغة ص ٧٨٨.