وقضاا ، فلمّا التقت الألفان تحرّكت الثانية [منهما] فانقلبت همزة ، فصار ذلك إلى سماء ، وقضاء. أفلا تعلم أن أحد ما قدّرته ـ وهو التقاء الألفين ـ لا قدرة لأحد على النطق به.
(وكذلك) ما نتصوّره وننبّه عليه أبدا من تقدير (مفعول) مما عينه أحد حرفى العلّة ؛ وذلك نحو مبيع ، ومكيل ، ومقول ، ومصوغ ؛ ألا تعلم أن الأصل مبيوع ، ومكيول ، ومقوول ، ومصووغ ، فنقلت الضمّة من العين إلى الفاء ، فسكنت ، وواو مفعول بعدها ساكنة ، فحذفت إحداهما ـ على الخلاف فيهما ـ لالتقاء الساكنين.
فهذا جمع لهما تقديرا وحكما. فأمّا أن يمكن النطق بهما على حال فلا.
واعلم مع هذا أن بعض ما ندّعى أصليته من هذا الفنّ قد ينطق به على ما ندّعيه من حاله ـ وهو أقوى الأدلّة على صحّة ما نعتقده من تصوّر الأحوال الأول ـ وذلك اللغتان تختلف فيهما القبيلتان كالحجازيّة والتميميّة ؛ ألا ترى أنا نقول فى الأمر من المضاعف فى التميمية ـ نحو شدّ ، وضنّ ، وفرّ ، واستعدّ ، واصطبّ (١) يا رجل ، واطمئن يا غلام ـ : إن الأصل اشدد ، واضنن ، وافرر ، واستعدد ، واصطبب ، واطمأنن ، ومع هذا فهكذا لغة أهل الحجاز ، وهى اللغة الفصحى القدمى.
ويؤكّد ذلك قول الله سبحانه : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) [الكهف : ٩٧] ، أصله استطاعوا ، فحذّفت التاء لكثرة الاستعمال ، ولقرب التاء من الطاء ، وهذا الأصل مستعمل ؛ ألا ترى أن عقيبه قوله تعالى : (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) [الكهف : ٩٧].
وفيه لغة أخرى ؛ وهى : استعت بحذف الطاء كحذف التاء ؛ ولغة ثالثة : اسطعت ، بقطع الهمزة مفتوحة ، ولغة رابعة : أستعت ، مقطوعة الهمزة مفتوحة أيضا. فتلك خمس لغات : استطعت ، واسطعت ، واستعت ، واسطعت ، وأستعت. وروينا بيت الجران :
وفيك إذا لا لاقيتنا عجرفيّة |
|
فما نستيع من يتعجرف (٢) |
__________________
(١) اصطب : صب.
(٢) البيت لجران العود فى ديوانه ص ٥٧ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٠٢ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٣٩٤.