على أن هذا قد يظهر نوعا من التناقض فى كلام عبد القاهر ـ وهو وارد كذلك على ما قررته فى هذا المقام من جهة الاستدلال بكلامه السابق على أن الكلمات لا تتفاضل خارج النظم ـ وهذا التناقض «من حيث إنه يسلم أن الكلمات منها الغريب الوحشى ، ومنها الذى يكد اللسان ، ثم ينفى بعد هذا كله أن تكون الكلمات متفاضلة غير متساوية قبل أن يشملها النظم» (١).
ولذا يعترض د / بدوى طبانة على تهوين عبد القاهر من شأن فصاحة اللفظة المفردة فيقول : «إن الذين عرضوا لفصاحة اللفظة المفردة كانت تلك الصفات التى لم يسع عبد القاهر إلا الاعتراف بها فى معرض التهويل من شأنها ـ أهم ما عرضوا له ، لكن تلك الصفات لا تصل إلى هذه الدرجة من التفاهة كما أراد عبد القاهر أن يصورها. أين (عساليج الشوحط)؟ من (أغصان البان)؟ وأين (الصهصلق)؟ من (الصهيل)؟ وأين (أشرج)؟ من (ضم)؟ وأين (الحيزيون)؟ من (العجوز)؟.
إن فى الألفاظ المفردة اختلافا وبينها تفاوتا بيّنا لسنا فى حاجة إلى كثير أو قليل من التأمل للاعتراف بحسن بعضها وقبح بعض ، وإذا نظرنا إلى التركيب وجدناه يزدان باللفظ العذب المختار ، ويقبح باللفظ العسر الثقيل من غير شك وإن كنا لا نجحد أن اللفظ الجميل يزداد جمالا بحسن موافقته لما جاوره من الألفاظ وهذا التجاور هو الذى يكشف عما فيه من جمال ويبين عن صفات الحسن الكامنة فيه» (٢).
ويجيب الأستاذ / عبد الله الطيب عن هذا الاعتراض السابق فيقول : «وربما يعتذر لعبد القاهر من حيث أنه يسلم أن الكلمات منها الغريب والوحشى ، ومنها الذى يكد اللسان ، ثم ينفى بعد هذا كله أن تكون الكلمات متفاضلة غير متساوية قبل أن يشملها النظم ، ربما يعتذر لعبد القاهر عن ذلك ، بأنه كان يرى الألفاظ فى جملتها غير متفاضلة وأن فضل المستعمل على غير المستعمل ، والخفيف على الثقيل طفيف بحيث يمكن تجاهله وأن النظم إذا أجاده صاحبه قد يسبغ على كلمة وحشية رونقا لا يتهيأ ولا يتأتى إذا وضعنا مكانها كلمة أخرى مألوفة ، وقد يتيح لكلمة ثقيلة تكد اللسان من العذوبة ما لا يتوفر لو استبدلناها بأخرى مما يحسب خفيفا سهلا» (٣).
__________________
(١) عبد الله الطيب ، المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتهم ٢ / ٤٦٦.
(٢) أ. د / بدوى طبانة ، البيان العرب ، ص ١٢٧ ـ ١٢٨
(٣) أ/ عبد الله الطيب ، الموضع السابق نفسه.