ومن الاعتراض قولهم : زيد ـ ولا أقول إلا حقّا ـ كريم. وعلى ذلك مسئلة الكتاب : إنه ـ المسكين ـ أحمق ؛ ألا ترى أن تقديره : إنه أحمق ، وقوله «المسكين» أى هو المسكين ؛ وذلك اعتراض بين اسم إنّ وخبرها. ومن ذلك مسألته : «لا أخا ـ فاعلم ـ لك». فقوله : «فاعلم» اعتراض بين المضاف والمضاف إليه ، كذا الظاهر.
وأجاز أبو علىّ رحمهالله أن يكون «لك» خبرا ، ويكون «أخا» اسما مقصورا تامّا غير مضاف ؛ كقولك : لا عصا لك. ويدلّ على صحّة هذا القول أنهم قد كسّروه على أفعال ، وفاؤه مفتوحة ؛ فهو إذا فعل ، وذلك قولهم : أخ وآخاء فيما حكاه يونس.
وقال بعض آل المهلّب :
وجدتم بنيكم دوننا إذ نسبتم |
|
وأىّ بنى الآخاء تنبو مناسبه! (١) |
فغير منكر أن يخرج واحدها على أصله ، كما خرج واحد الآباء على أصله ؛ وذلك قولهم : هذا أبا ، ورأيت أبا ، ومررت بأبا. وروينا عن محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى ، قال : يقال هذا أبوك ، وهذا أباك ، وهذا أبك ؛ فمن قال : هذا أبوك ، أو أباك ، فتثنيته أبوان ، ومن قال هذا أبك ، فتثنيته أبان ، وأبوان. وأنشد :
سوى أبك الأدنى وإنّ محمدا |
|
علا كلّ عال يا بن عمّ محمد (٢) |
وأنشد أبو علىّ عن أبى الحسن :
تقول ابنتى لمّا رأتنى شاحبا |
|
كأنك فينا يا أبات غريب (٣) |
قال : فهذا تأنيث أبا ، وإذا كان كذلك جاز جوازا حسنا أن يكون قولهم : لا أبا لك «أبا» منه اسم مقصور كما كان ذلك فى «أخا لك». ويحسّنه أنك إذا حملت الكلام عليه جعلت له خبرا ، ولم يكن فى الكلام فصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجرّ ؛ غير أنه يؤنّس بمعنى إرادة الإضافة قول الفرزدق :
__________________
(١) البيت بلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ص ١٥٠ ، ولسان العرب (أخا).
(٢) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (أبى) ، وتاج العروس (أبى).
(٣) البيت لأبى الحدرجان فى نوادر أبى زيد ص ٢٣٩ ، وبلا نسبة فى الدرر ١ / ٢٣٣ ، ولسان العرب (أبى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.