اللفظ فى نحو : مررت بزيد ؛ إذا أردت بذلك أن تدلّ على شدة اتصال حرف الجرّ بالفعل وحده دون الاسم ، ونحن إنما عقدنا فساد الأمر وصلاحه على المعنى ؛ كأن يكون الشىء الواحد فى الوقت الواحد قليلا كثيرا. (وهذا) ما لا يدّعيه مدّع ، ولا يرضاه ـ مذهبا لنفسه ـ راض.
ويؤكّد عندك خروج هذا الكلام مخرج المثل كثرته فى الشعر ، وأنه يقال لمن له أب ولمن ليس له أب. فهذا الكلام دعاء فى المعنى لا محالة ، وإن كان فى اللفظ خبرا. ولو كان دعاء مصرّحا وأمرا معنيّا لما جاز أن يقال لمن لا أب له ؛ لأنه إذا كان لا أب له لم يجر أن يدعى عليه بما هو فيه لا محالة ؛ ألا ترى أنك لا تقول للأعمى : أعماه الله ، ولا للفقير : أفقره الله ؛ وهذا ظاهر باد. وقد (مرّ به) الطائىّ الكبير فقال :
نعمة الله فيك لا أسأل ال |
|
له إليها نعمى سوى أن تدوما |
ولو أنى فعلت كنت كمن يس |
|
أله وهو قائم أن يقوما |
فكما لا تقول لمن لا أب له : أفقدك الله أباك ؛ كذلك يعلم أن قولهم لمن لا أب له : (لا أبا لك) لا حقيقة لمعناه مطابقة للفظه ، وإنما هى خارجة مخرج المثل ، على ما فسّره أبو علىّ. قال عنترة :
فافنى حياءك لا أبا لك واعلمى |
|
أنّى امرؤ سأموت إن لم أقتل (١) |
وقال :
ألق الصحيفة لا أبا لك إنه |
|
يخشى عليك من الحباء النّقرس (٢) |
وقال :
__________________
(١) البيت لعنترة فى ديوانه ص ٢٥٢ ، ولسان العرب (أبى) (قنا) ، وتاج العروس (قنا) وكتاب العين ٥ / ٢١٧ ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٩ / ٣١٤ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٢٩.
(٢) البيت للمتلمس فى ديوانه ص ١٨٦ ، ولسان العرب (نقرس) ، (أبى) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٣٩٥ ، وتاج العروس (نقرس). قال المتلمس يخاطب طرفة. يقول : إنه يخشى عليه من الحباء ، الذى كتب له به ، النّقرس ، وهو الهلاك والداهية العظيمة.