يخفى على الإنسان نفسه معالمها ويصعب عليه تمييزها مع كونها بداخله. وبطبيعة الحال فإن أى كلمة أخرى لا تسد مسد هذه الكلمة فى دلالتها على ذلك المعنى.
ثم ينتقل البلاغى بعد ذلك إلى استثمار الدرس الصوتى لتلك الكلمة ليستخرج الدلالة الصوتية الفنية لتلك الكلمة.
فينظر إلى مجيئها مركبة من هذين الحرفين الرقيقين (الواو والسين) فينظر إلى ما فى الواو من خفاء ورقّة ولين مع قرب مخرجه لكونه شفويا ، فينظر إلى مناسبة لينه ورقته وخفائه لمعنى الوسوسة ، وما فيها من خفاء ولين ورقة ، كما تأتى دلالة قرب المخرج للدلالة على علم الله تعالى بأدق الأصوات وأخفضها صوتا وهو ما يخرج من بين الشفاه فما بالك بما فتح صاحبه فيه فمه وما كان من أقصى الحلق ونحو ذلك مما يرفع فيه الصوت؟! فمن ثم كانت مناسبة الواو للدلالة على تلك المعانى ، ثم لك أن تتأمل دلالة السين ، وما فيها من همس ورخاوة وصفير مع قرب المخرج كذلك فهى تلى الواو مخرجا لكونها مما بين الثنايا وطرف اللسان ، والهمس هو جرى النفس فى الحرف بلا انحباس فيخرج الحرف سهلا لا جهر فيه يناسب الوسوسة الخفية ؛ كما ناسبها كذلك لكونه رخوا ليس بالشديد ؛ كما ناسب صوته الوسوسة الذى يشبه صفير الريح ، ووسوسة الحلى بما فيه من صفير يصاحبه فى النطق.
فإذا ضممنا إلى ذلك أيضا قرب مخرجه وما له من مناسبة سبق بيانها فى حرف الواو ، تبين لنا مدى مناسبة هذين الصوتين للدلالة على المعنى المراد وهو علم الله تعالى بالدقائق من الوساوس والخطرات الخفية التى لا يعلمها إلا هو.
ثم نأتى بعد ذلك إلى ما هو أوضح دلالة وهى الدلالة الصرفية والدلالة النحوية : فأما الدلالة الصرفية فنجد أن اختيار الفعل مضاعف الرباعى جاء مناسبا أتم المناسبة لمعناه ، ومن ثم لسياقه ومقامه.
وذلك أن الفعل (وسوس) هو تضعيف (وس) وهذا التضعيف نشأ عن تكرار هذا المقطع (وس) فإذا التفت إلى ذلك لمحت المناسبة بينه وبين عملية الوسوسة وطبيعتها القائمة على التكرير والإلحاح ، فوسوسة النفس وكذلك وسوسة الشيطان ما هى إلا إغراء النفس بفعل المنهى عنه ، ووسيلة هذا الإغراء لا تكون إلا بالتكرار والإلحاح الدائم على النفس حتى تضعف وتقع فريسة للنوازع والرغبات الدنيئة.