وننتقل إلى الدلالة النحوية لنقف أمام دلالة المضارع حيث اختيرت صيغة المضارعة للتعبير عن حدوث الفعل وتجدده وتكرره ليعبر عن عملية الإلحاح التى تمثل عنصرا أساسيا فى عملية الوسوسة ، وليدل على سعة علم الله تعالى بهذه الوسوسة مهما كثرت وتجددت وتكررت ، ولهذا اختير المصدر المؤول من (ما والفعل المضارع) على المصدر الصريح وسوسة لدلالة الفعل على التجدد دون المصدر الصريح (وسوسة).
ومن ثم نتبين مدى مناسبة تلك الكلمة لسياقها ومقامها بما لها من دلالة فنية كانت محصلة تلك الدلالات الصوتية والصرفية والمعجمية والنحوية لتلك الكلمة القرآنية.
وعلى هذا النحو يمضى البلاغى فينظر فى مناسبة الأصوات للمعانى من جهة ما تشتمل عليه من تفخيم أو ترقيق أو همس أو جهر أو انطباق وانفتاح ، أو مد أو لين أو تفشّ واستطالة أو إظهار أو إدغام أو تنوين أو إخفاء ... إلخ.
وينظر فى مناسبة صيغة الكلمة من حيث كونها اسما أو فعلا أو مشتقا من المشتقات ، فينظر إن كانت اسما فى مناسبة الوزن الذى جاءت عليه ، وإن كانت فعلا إلى دلالة كونه ماضيا أو مضارعا أو أمرا ، وإن كانت مشتقا إلى كونها اسم فاعل أو اسم مفعول أو صيغة مبالغة أو اسم مرة أو هيئة أو غير ذلك.
ومع النظر إلى مناسبة ذلك كله للسياق والمقام.
كما ينظر فى التراكيب من حيث ما هى عليه من تقديم وتأخير ، وحذف أو ذكر ، وفصل أو وصل ، وإيجاز أو إطناب ، وخبر أو إنشاء ... إلخ ما ذكروه من مباحث علم المعانى ثم ينظر إلى ما تشتمل عليه تلك التراكيب من صور وأخيلة من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز بأنواعها المفصلة فى مباحث علم البيان.
وما تشتمل عليه من وسائل تحسين وتزيين من سجع وجناس ومطابقة والتفات واحتراس وتكميل وتتميم ... إلخ ما ذكره البلاغيون من فنون البديع.
يبحث البلاغى فى الدلالات الفنية لتلك الفنون والصور والأساليب السابق ذكرها ، ويطابق بينها وبين مقتضى الحال وهو المقام الذى سيقت لأجله ليقرر مطابقة تلك الدوال التعبيرية المتعددة أو عدم مطابقتها للغرض الذى سيقت لأجله مع عدم الادعاء بانفراد إحدى هذه الدوال بتلك الدلالة.
وحينما نعود إلى كلام ريتشاردز السابق نجد أنه يفصل بشىء من الحزم فى تلك