القضية الشائكة قضية العلاقة بين الصوت والدلالة حيث يرى أنه لا توجد مقاطع أو حروف تتصف بطبيعتها بالحزن أو الفرح. ولكنه لا ينفى أن يكون لهذه الأصوات تأثير دلالى يوحى به السياق تبعا للانفعال المصاحب له. ومن ثم نستطيع أن نجد للدال الصوتى قيما مختلفة باختلاف سياقاتها مع اتحاد ذلك الدال.
ولننظر على سبيل المثال إلى ذلك المقطع الصوتى (أن) الذى يتميز بسمة صوتية لها دلالة خاصة هى سمة النبر الشديد بالنون المشددة ذات الغنة التى تغن فى القراءة القرآنية بمقدار حركتين فى جميع السياقات لننظر إلى دلالة ذلك المقطع التى قد ترد فى سياقات كثيرة متضافرة مع الدلالة المعجمية للكلمة (أن) فى إفادة التوكيد وهذا ما نستشعره فى النطق بها فى مثل قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحج : ٦ ، ٧].
حيث تتوالى الكلمة فى هذا السياق بدلالة واحدة هى التوكيد المستفاد من دلالتها المعجمية ، ودلالتها السياقية ، ودلالتها الصوتية التى يوحى بها تكرار النون فيها ، فالتكرار من وسائل التوكيد.
كما توحى بها تلك الغنّة التى تغنّ بمقدار حركتين يحدث من خلال النطق بهما نوع من الضغط والارتكاز الذى يشبه الإصرار على تأكيد المعنى وتثبيته لدى السامع.
وهذا كله يتضافر مع الدلالة السياقية للكلمة فى هذا المقام الذى تؤكد فيه قدرة الله تعالى على الإحياء والبعث.
فإذا انتقلنا من هذا السياق إلى سياق آخر مثل قوله تعالى على لسان لوط : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) [هود : ٨٠] وذلك حينما بلغ به الضيق مداه من شذوذ قومه ورغبتهم الجامحة فى فعل المعصية ، ومراودتهم له عن أضيافه ذوى الوجوه الحسان ، ومن ثم لم يتمالك لوط ، ولم يلبث أن ألم به الحنق والغيظ ، بحيث توحى الدلالة الصوتية لكلمة (أن) فى هذه الآية بصورة لوط ـ عليهالسلام ـ وهو جاذّ على أسنانه ، يطيل الضغط والارتكاز فى النطق بغنة النون المشددة معبرا عن انفعاله الشديد بالغيظ والحنق من طبيعة هؤلاء القوم الدنيئة ؛ كما تأتى تلك الدلالة مختلطة بدلالة الأسى والحزن والتحسر على عدم تمكنه من الانتصار منهم أو ردهم عن طيشهم وضلالهم.
وهنا تتدخل دلالة السياق لترجيح هذا المعنى الصوتى الذى نستشفه من الآية ، كما