يتدخل توقع القارئ حدوث مثل هذا الصوت عادة فى مثل هذا الحال مما يصرف ذهنه إلى الربط بين ذلك الصوت وبين المعنى الذى يدل عليه عادة فى مثل هذا السياق.
ومن ثم فليست هناك دلالة ثابتة للصوت يمكن الدخول بها مسبقا عند تحليل الدلالة الصوتية للفظ فى سياق ما ، وذلك لأننا إذا اصطلحنا على أن الكلمة لا معنى لها خارج السياق سوى المعانى المعجمية الوضعية الغائمة ؛ فإن الصوت أشد تجريدا من الكلمة خارج السياق والسياق وحده هو الذى يكسبه دلالاته الفنية التى تختلف تماما عن دوره الذى يشارك به فى صنع الدلالة المعجمية.
والحق أن الصوت المفرد يمكن أن نتصور له دلالة فى ذاته ، كما تصورنا الدلالة المعجمية أو الإفرادية للكلمة ، بناء على سماته الصوتية من همس وجهر ، وشدة ورخاوة ، وبعد مخرج وقربه .. إلخ ، فيمكننا أن نجعل الصاد والضاد والطاء والظاء والقاف ونحوها رموزا تعبر عن الجهر والشدة والاستعلاء والتفخيم .. إلخ.
وبعكسها الحروف المهموسة. وهكذا يمكننا أن نحدد دلالة رمزية شبه وضعية لكل حرف بحسب سماته الصوتية المختلفة ، ولكننا لا يمكننا أن نفرض تلك الدلالات على النص الأدبى فرضا ؛ وذلك لأن السياق هو وحده الذى يحدد دلالة الصوت وقد يستخدمه بدلالته الرمزية شبه الوضعية وقد يعدل به عن تلك الدلالة إلى دلالة فنية جديدة يضفيها عليه ويعيره إياها ليكتسى بها ما لازم سياقه ، فإذا فارقه فارقته.
وهذا الذى ذهب إليه ريتشاردز هو ما يؤكده النقاد والمحدثون حيث يرون «أن الصوت والوزن يجب أن يدرسا كعنصرين فى مجمل العمل الفنى ، وليس معزل عن المعنى» (١).
ويرى صاحبا نظرية الأدب أن «كل عمل أدبى فنى هو ـ قبل كل شيء ـ سلسلة من الأصوات ينبعث عنها المعنى. ففى العديد من الأعمال الفنية ، بما فيها الشعر طبعا ، تلفت طبقة الصوت الانتباه ، وتؤلف بذلك جزءا لا يتجزأ من التأثير الجمالى.
ويرى الدكتور / عبد المنعم تليمة أن الجانب الأول من كيفية تعامل الشاعر مع أداته ـ اللغة ـ إنما تتبدى فى نشاط لغوى يحقق ـ فى العمل الشعرى ـ أنظمة لغوية ينتج
__________________
(١) «رينيه ويلك» ، «أولين أوشين» نظرية الأدب ص ٢٢١ ، ط المجلس الأعلى للفنون والآداب ، دمشق س ١٩٧٢.