عليه منشده ذلك البيت ببيت العجّاج عرف الخليل حجّته فترك مراجعته ، وقطع الحكاية على هذا الموضع يكاد يقطع بانقطاع الخليل عنده ، ولا ينكر أن يسبق الخليل إلى القول بشىء فيكون فيه تعقّب له فينبّه عليه فينتبه.
وقد يجوز أيضا أن يكون الأصمعىّ سمع من الخليل فى هذا من قبوله أو ردّه على المحتجّ به ما لم يحكه للخليل بن أسد ، لا سيّما والأصمعىّ ليس مما ينشط للمقاييس ، ولا لحكاية التعليل.
نعم ، وقد يجوز أن يكون الخليل أيضا أمسك عن شرح الحال فى ذلك ، وما قاله لمنشده البيت من تصحيح قوله ، أو إفساده ، للأصمعىّ لمعرفته بقلّة انبعاثه فى النظر وتوفّره على ما يروى ويحفظ. وتؤكد هذا عندك الحكاية عنه وعن الأصمعىّ ، وقد كان أراده الأصمعىّ على أن يعلّمه العروض فتعذّر ذلك على الأصمعىّ وبعد عنه ؛ فيئس الخليل منه فقال له يوما : يا أبا سعيد ، كيف تقطّع قول الشاعر :
إذا لم تستطع شيئا فدعه |
|
وجاوزه إلى ما تستطيع (١) |
قال : فعلم الأصمعىّ أن الخليل قد تأذّى ببعده عن علم العروض فلم يعاوده فيه.
ووجه غير هذا ، وهو ألطف من جميع ما جرى وأصنعه وأغمضه ؛ وذلك أن يكون الخليل إنما أنكر ذلك لأنه بناه (ممّا) لامه حرف حلقىّ ، والعرب لم تبن هذا المثال مما لامه أحد حروف الحلق ، إنما هو مما لامه حرف فموىّ ، وذلك نحو اقعنسس ، واسحنكك ، واكلندد (٢) ، واعفنجج (٣). فلمّا قال الرجل للخليل (فارفنععا) أنكر ذلك من حيث أرينا.
فإن قيل : وليس ترك العرب أن تبنى هذا المثال مما لامه حرف حلقىّ ، بمانع أحدا من بنائه من ذلك ؛ ألا ترى أنه ليس كلّ ما يجوز فى القياس يخرج به
__________________
(١) البيت لعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ص ١٤٥ ، وتاج العروس (زمع) ، (طوع) ، (ودع) ، والأصمعيات ص ١٧٥ ويروى (أمرا) مكان (شيئا).
(٢) اكلندد : اشتدّ وتقبّض. وانظر اللسان (كلد).
(٣) اعفنجج الرجل : خرق ، والعفنجج : الأحمق ، الجافى الخلق. اللسان (عفج).