قد شرحت حال هذا الرجز فى كتابى «فى النوادر الممتعة».
واعلم أن العرب يختلف أحوالها فى تلقّى الواحد منها لغة غيره ؛ فمنهم من يخفّ ويسرع قبول ما يسمعه ، ومنهم من يستعصم فيقيم على لغته البتّة ، ومنهم من إذا طال تكرر لغة غيره عليه لصقت به ، ووجدت فى كلامه ؛ ألا ترى إلى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد قيل : يا نبئ الله ، فقال : «لست بنبيء الله ولكننى نبىّ الله» (١) وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أنكر الهمز فى اسمه فردّه على قائله ، لأنه لم يدر بم سمّاه ، فأشفق أن يمسك على ذلك ، وفيه شيء يتعلق بالشرع ، فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور ، أو حاظر مباح.
وحدّثنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال : اجتمع أبو عبد الله بن الأعرابىّ وأبو زياد الكلابىّ على الجسر ببغداد ، فسأل أبو زياد أبا عبد الله عن قول النابغة الذبيانىّ :
* على ظهر مبناة ... (٢) *
فقال أبو عبد الله (٣) : النّطع (٤) ، فقال أبو زياد : لا أعرفه ، فقال : النطع ، فقال أبو زياد : نعم ، أفلا ترى كيف أنكر غير لغته على قرب بينهما.
وحدّثنى أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد عن أبى بكر محمد بن هارون الرّويانى
__________________
(١) أخرجه الحاكم فى المستدرك (٢ / ٢٣١) ، من طريق حمران بن أعين عن أبى الأسود الديلى عن أبى ذر مرفوعا ، وقال : «صحيح على شرط الشيخين» ، وردّه الذهبى بقوله : «قلت : بل منكر لم يصح ، قال النسائى : حمران ليس بثقة ، وقال أبو داود : رافضى روى عن موسى بن عبيدة وهو واه ..».
(٢) جزء من بيت له فى الديوان ص ٣١ ، ولسان العرب (نطع) ، (بنى) ، وكتاب العين (٧ / ٤٣٣ ، ٨ / ٣٨٢) وتهذيب اللغة ١٣ / ٣٥٧ ، ٥ / ٤٩٤ ، وتاج العروس (نطع) ، (بنى) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (لطم) ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٠٥ ، ويروى البيت كاملا :
على ظهر مبناة جديد سيورها |
|
يطوف بها وسط اللطيمة بائع |
والمبناة : الحصير أو النطع يبسطه التاجر على بيعه ، وكانوا يجعلون الحصر على الأنطاع يطوفون بها ، وإنما سميت بمناة لأنها تتخذ من أدم يوصل بعضها ببعض.
(٣) أبو عبد الله : هو ابن الأعرابى.
(٤) القصة فى اللسان (نطع).