فيما صحّت عينه. فإن أحللت الكسرة فيها نفسها فكان ذلك يكون ـ لو تكلّف ـ أثقل من باب يوعد ويوجد لو خرج على الصحّة. فاعرف ذلك فرقا لطيفا بين الموضعين.
ومما يجيزه القياس ـ غير أن لم يرد به الاستعمال ـ خبر (العمر ، والأيمن) ، من قولهم : لعمرك لأقومنّ ، ولا يمن الله لأنطلقنّ. فهذان مبتدءان محذوفا الخبرين ، وأصلهما ـ لو خرج خبراهما ـ لعمرك ما أقسم به لأقومن ، ولا يمن الله ما أحلف به لأنطلقن ، فحذف الخبران ، وصار طول الكلام بجواب القسم عوضا من الخبر.
ومن ذلك قولهم : لا أدرى أىّ الجراد عاره (١) ، أى ذهب به ، ولا يكادون ينطقون بمضارعه ، والقياس مقتض له ، وبعضهم يقول : يعوره ؛ وكأنهم إنما لم يكادوا يستعملون مضارع هذا الفعل لمّا كان مثلا جاريا فى الأمر المتقضّى الفائت ، وإذا كان كذلك فلا وجه لذكر المضارع هنا ، لأنه ليس بمتقضّ.
ومن ذلك امتناعهم من استعمال استحوذ معتلا وإن كان القياس داعيا إلى ذلك ومؤذنا به ، لكن عارض فيه إجماعهم على إخراجه مصحّحا ؛ ليكون دليلا على أصول ما غير من نحوه ؛ كاستقام واستعان.
ومن ذلك امتناعهم من إظهار الحرف الذى تعرّف به (أمس) حتى اضطرّوا ـ لذلك ـ إلى بنائه لتضمّنه معناه ، فلو أظهروا ذلك الحرف فقالوا مضى الأمس بما فيه لما كان خلفا (٢) ولا خطأ.
فأمّا قوله :
وإنى وقفت اليوم والأمس قبله |
|
ببابك حتى كادت الشمس تغرب (٣) |
__________________
(١) عاره يعوره ، أى أخذه وذهب به. وما أدرى أى الجراد عاره ، أى أىّ الناس أخذه ، لا يستعمل إلا فى الجحد. اللسان (عور).
(٢) هذا خلف ، بإسكان اللام ، يقال : للرديء ، والخلف الردىء من القول اللسان (خلف).
(٣) البيت من الطويل ، وهو لنصيب فى ديوانه ص ٩ ، والأغانى ٩ / ٤٥ ، ولسان العرب (أين) ، (أمس) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٠٤ ، والإنصاف ص ٣٢٠ ، والدرر ٣ / ١٠٩ ، وشرح شذور الذهب ص ١٣١ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٤٣ ، ولسان العرب (لوم) ، والمحتسب ٢ / ١٩٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٩.