فقوى قياسهم. وكيف كانوا يكونون فى ذلك على ضعف من القياس ، والجماعة عليه! أفتجمع كافّة اللغات على ضعف ونقص ، حتى ينبغ نابغ منهم فيردّ لسانه إلى قوّة القياس دونهم! نعم ، ونحن أيضا نعلم أن القياس مقتض لصحّة لغة الكافّة ، وهى الياء فى موضع الجرّ والنصب ؛ ألا ترى أن فى ذلك فرقا بين المرفوع وبينهما ، وهذا هو القياس فى التثنية ، كما كان موجودا فى الواحد. ويؤكّده لك أنا نعتذر لهم من مجيئهم بلفظ المنصوب فى التثنية على لفظ المجرور. وكيف يكون القياس أن تجتمع أوجه الإعراب الثلاثة على صورة واحدة! وقد ذكرت هذا الموضع فى كتابى فى (سرّ الصناعة) بما هو لاحق بهذا الموضع ومقوّ له.
فقد علمت بهذا أن صاحب لغة قد راعى لغة غيره. وذلك لأن العرب وإن كانوا كثيرا منتشرين ، وخلقا عظيما فى أرض الله غير متحجرين ولا متضاغطين ، فإنهم بتجاورهم وتلاقيهم وتزاورهم يجرون مجرى الجماعة فى دار واحدة.
فبعضهم يلاحظ [صاحبه] ويراعى أمر لغته ، كما يراعى ذلك من مهمّ أمره. فهذا هذا.
وإن كان الخليل أراد بقوله : تقلب الياء ألفا : أى فى ييأس ، فالأمر أيضا عائد إلى ما قدّمنا ؛ ألا ترى أنه إذا شبّه مررت بأخواك بقولهم : ييأس وياءس ، فقد راعى أيضا فى مررت بأخواك لغة من قال : مررت بأخويك. فالأمران إذا صائران إلى موضع واحد. ولهذا نظائر فى كلامهم ، وإنما أضع منه رسما ليرى به غيره بإذن الله.
وأجاز أبو الحسن أن يكون كانت العرب قدما تقول : مررت بأخويك وأخواك جميعا ، إلا أن الياء كانت أقيس للفرق ، فكثر استعمالها ، وأقام الآخرون على الألف ، أو أن يكون الأصل قبله الياء فى الجرّ والنصب ، ثم قلبت للفتحة قبلها ألفا فى لغة بلحارث بن كعب. وهذا تصريح بظاهر قول الخليل الذى قدّمناه.
ولغتهم عند أبى الحسن أضعف من (هذا جحر ضبّ خرب) قال : لأنه قد كثر عنهم الإتباع ؛ نحو شدّ وضرّ وبابه ، فشبّه هذا به.
ومن هذا حذف بنى تميم ألف (ها) من قولهم (هلمّ) لسكون اللام فى لغة أهل