ويلفتنا د / النويهى إلى «أن كلمة مستشزرات» ليست هى الكلمة المتنافرة الوحيدة فى بيتى امرئ القيس ، ومن ثم يتعرض إلى البيت السابق على هذا البيت وهو قوله :
وفرع يزين المتن أسود فاحم |
|
أثيث كقنو النخلة المتعثكل |
يقول : فهذه الكلمة الأخيرة التى تبدو غريبة نافرة لمسامعنا تنسجم بحروفها وترتيب مقاطعها مع الصورة الكثيفة المتداخلة التى يريد الشاعر أن يرسمها لهذا الشعر الغزير بالتجعدات المتدلى على ظهرها ، ويستشهد بقول تأبط شرّا :
قليل إدخال الزاد إلا تعلة |
|
فقد نشز الشر سوف والتصق المعا |
يقول : لم لجأ تأبط شرّا إلى هذا التنافر فى قوله «نشز الشر سوف»؟ ألأنه بدوى متوحش عديم الفصاحة؟ بل لأنه يصف نفسه ـ وهو من الشعراء الصعاليك ـ بالجوع وقلة الطعام حتى أصابه الهزل ، فبرزت رءوس ضلوعه من صدره شاخصة للعيان.
أفكان يستطيع أن يؤدى صورته هذه أداء حيا بغير هذا التنافر؟
واستشهد الدكتور النويهى بقول الأعشى فى وصف محبوبته وضخامة أوراكها وامتلاء ذراعيها بالشحم فى تفسير هذه الظاهرة ، بقول الأعشى :
هركولة فنق درم مرافقها |
|
كان أخمصها بالشوك منتعل |
يقول : إن الشاعر يتعمد تعمدا أن يأتى بألفاظ ضخمة ليصور الصورة الضخمة التى يريد حملها إلينا.
وهذا الذى قرره د / النويهى قد أيده فيه كثير من الباحثين بعده وزادوا عليه ، بأمثلة كثيرة وقفوا فيها أمام الدلالة الصوتية لتلك الألفاظ التى حكم البلاغيون والنقاد القدامى عليها بعدم الفصاحة (١).
فمن ذلك على سبيل المثال كلمة «ضيزى» فهى ولا شك ليس لها من انسيابية النطق وجمال الوقع على الأذن ما للكلمة المرادفة لها «جائرة» لكنا نزعم أنها فى موقعها من قول الله تعالى فى سورة النجم يخاطب المشركين : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢١ ، ٢٢] دالة أبلغ دلالة على المراد ، وهو فساد القسمة ، وحيفها
__________________
(١) انظر على سبيل المثال د / عبد الواحد علام ـ قضايا ومواقف فى التراث البلاغى ص ١٦ ـ ١٨ وانظر ما سوف نورده من كلام د / شفيق السيد ، د / إبراهيم عبد الرحمن.