تصورها واستمعنا إلى «مستشزرات» أدركنا كيف أنها تقتضى هذا التنافر ، وبدأنا نستحليه ونتلذذ بتعثر لساننا فى النطق به. وهو حقا تنافر ، ولكن ما أقوى انسجامه مع الصورة المرسومة» (١).
ونستطيع أن نقول مؤيدين كلام د / النويهى ومفسرين فى الوقت نفسه لمطابقة تلك الكلمة لسياقها : إن ما عابه النقاد والبلاغيون على هذه الكلمة ورأوا فيه سببا لعدم فصاحتها هو بعينه ما نستشعر فيه أسباب إيحائها بالمعنى الذى أراد الشاعر التعبير عنه فأجاد.
وذلك لأن البلاغيين قد حكموا على هذه الكلمة بعدم الفصاحة لكون حروفها متقاربة ليست متباعدة المخارج (٢) ولكون حروفها مع ذلك متنافرة «فإن فى توسيط الشين وهو من المهموسة الرخوة بين التاء وإنها من المهموسة الشديدة ، وبين الزاى وإنها من حروف الصفير المهجورة من التنافر ما لا يخفى (٣) فلو قيل : (مستشرفات) لزال الثقل (٤).
وإذا تأملنا هذا الذى ذكروه فى أسباب عدم فصاحة تلك الكلمة ثم وازنا بين السمات الصوتية والنطقية لتلك الحروف وبين المعنى الذى تعبر عنه لوجدناها معبرة تمام التعبير عن هذا المعنى ؛ وذلك لأن الميم شفوية ، وكلا من السين والثاء والزاى أسنانية متقاربة المخرج ، مما يجعل هذه الأحرف معبرة بهذا التقارب فى النطق الذى يتعثر فيه اللسان تعثرا شبيها بتعثر المدرى فى خصلات هذا الشعر الكثيف المتعثكل بين مثنى ومرسل.
كما يتخلل الشين تلك الأحرف ليعبر بما له من استطالة وتفش وانبساط عن استطالة ذلك الشعر وانبساطه وتفشيه وانسداله.
كذلك تشارك الراء بما لها من صفة تكرارية فى التعبير عن الكثرة والتزاحم فى تلك الخصلات الشعرية المتكررة ويضاعف المد بالألف بما له من صفات الهوى والعمق والجوفية ، والامتداد فى مضاعفة الشعور بكثرة هذا الشعر وعمقه وامتداده إلى أغوار بعيدة» (٥).
__________________
(١) (الشعر الجاهلى ص ٤٤ ـ ٤٥) ، د / محمد النويهى.
(٢) انظر سر الفصاحة لابن سنان ص ٦٠ ، والتبيان للطيبى ٢ / ٤٩٧ بتحقيقى.
(٣) التبيان ٢ / ٤٩٦ ـ ٤٩٧.
(٤) القول فى المثل السائر ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.
(٥) انظر سر الفصاحة لابن سنان ص ٦٠ ، والتبيان للطيبى ٢ / ٤٩٧ بتحقيقى.