ومعلوم أننا لا نقصد هنا تلك المحاكاة الساذجة المباشرة كتلك الأصوات المعبرة عن الطقطقة والفرقعة ؛ وإنما نقصد أوجه الشبه والمناسبة الدقيقة بين البناء الصوتى للكلمة ومعناها السياقى الذى وظفت لأجله تلك السمات الصوتية.
وسوف نعرض هنا لأهم تلك الدراسات التى تعرضت لهذا الجانب مع تتميم تلك المحاولات بما ينقصها فى نظر بحثنا هذا من التعليل والتفسير لكيفية دلالة الأصوات على المعانى التى استشعرها هؤلاء الدارسون.
فمن هذه الدراسات : دراسة د / محمد النويهى عن الشعر الجاهلى ، فقد عرض فيها لجملة من الألفاظ التى حكم عليها النقاد بالصعوبة وعدم الفصاحة ثم برر فنية تلك الألفاظ بما اشتملت عليه من صعوبة من خلال تأمله لما اشتملت عليه هذه الألفاظ من محاكاة للمعانى وقد كانت تلك التحليلات مصحوبة برده على تلك الشروط الجامدة التى اشترطها البلاغيون لفصاحة الكلمة :
يقول د / النويهى :
«أما البلاغيون والنقاد فلم يكد يزيد التفاتهم فى هذا المجال على قولهم : إن مخارج الحروف ينبغى أن تكون فصيحة ، وجعلوا أحد شروط الفصاحة عدم تنافر الحروف ، وعلى إعجابهم بالأبيات التى رأوا تحقق الفصاحة بها معبرين عن هذا الإعجاب بعبارات عامة مائعة تخلو من التحليل الدقيق ، وذمهم للأبيات التى رأوا خلوها من الفصاحة ، وحتى فى مقياسهم الذى وضعوه للفصاحة وهى عدم تنافر الحروف قد خانهم التوفيق ، لأنهم لم ينتبهوا إلى أن المعنى والعاطفة قد يقتضيان هذا التنافر ويجعلانه أمرا لازما ، انظر مثلا إلى بيت امرئ القيس يصف شعر محبوبته ، وهم يستشهدون به على قبح التنافر :
غدائره مستشزرات إلى العلا |
|
تضل العقاص فى مثنى ومرسل |
لا شك أن فى قوله : «مستشزرات» تنافرا بين الحروف يجعل الكلمة ثقيلة النطق لكن قليلا من التفكير يهدينا إلى أن هذا التنافر لازم فنيا مؤكدا أنه ينطبق على الصورة التى يريد الشاعر أن يرسمها لهذه الخصلات الكثيرة الكثيفة الثقيلة التى تتزاحم على رأس محبوبته وترتفع إلى أعلى ويغيب بعض الشعر الكثيف تحتها من مفتول ظل على انتظامه ، وغير مفتول انطلق هنا وهناك ، صورة غنية رائعة حاشدة مزدحمة ، إذا أجدنا