أن حرف الثاء قد جاء مكررا وهو حرف يخرج مما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا فهو قريب المخرج ، وتكرره بالتشديد يصور هيئة المتثاقل المتباطئ فهو لا يبرح مكانه بل يتردد فيه ، كما أن النطق لا يزال يتردد فى مخرج الثاء يكرره ولا يبرحه ثم يأتى المد ليصور لك أن هذا المتثاقل لا يتحرك ولا يمتد إلا فى مكانه ، فهو مد خاص بهذا الحرف القريب المخرج (الثاء) الذى لا يكاد النطق يبرحه تارة بتشديده وتكريره وتارة بمده ، ثم ها هو المد يبلغ أقصاه حيث مخرج القاف أقصى اللسان ، وهنا يظن الظان أن المتثاقل قد تحرك شيئا أو جاوز مكانه فإذا به يرتد تارة أخرى إلى مكانه الذى قد قام منه وهو منطقة طرف اللسان حيث الثاء واللام والتاء ، بل إنه يتساقط ويتأخر عن مكان ابتدائه حيث يرتد إلى مخرج الميم عند الشفتين ، ولا شك أن المرء حينما ينطق بهذه الكلمة لا يكاد يصل إلى نطق تلك الميم الساكنة ، وخاصة مع إيحاء هذا المقطع الأخير (تم) حتى يستشعر أن شيئا قد سقط على الأرض فجأة محدثا هذا الصوت.
وكأن النطق بهذه الكلمة يصور هيئة المتثاقل المتساقط وهو يتردد فى قيامه ويتلعثم فيه ويتمادى فى تباطئه وذلك فى نطق الثاء المشددة الممدودة ، ثم لا يلبث أن ينهض حتى يتساقط مرتدا إلى مكان قيامه أو متجاوزا عنه إلى الخلف قليلا ، فهو لا يكاد يقوم حتى يسقط وهنا نستشعر أن الكلمة بسماتها الصوتية موحية ومعبرة عن معنى التثاقل والتباطؤ بدرجة فنية عالية لا تستطيع أن توحى بها دلالتها المعجمية وحدها.
على أن فى الآية كلمة أخرى لا تقل دلالتها الصوتية عن دلالة تلك الكلمة فى التعبير عن ذلك التثاقل والخلود إلى الأرض والركون إلى الدعة والراحة ، ألا وهى كلمة (الأرض) وذلك أنك إذا تأملت وقوفك على الضاد الساكنة بما لها من صفات الاستطالة والانبساط والتفشى لاستشعرت فيها ما يوحى به نطق الضاد من استطالة الركود والانبساط فيه ، وتفشى هؤلاء المتثاقلين واسترخائهم وتمددهم فى التصاقهم بالأرض واستنامتهم إليها.
إنها دلالة لا تلوح بها الدلالة المعجمية للكلمة ، من قريب ولا من بعيد وإنما تنفرد بها الدلالة الصوتية لهذا الحرف فى ذلك النسق والسياق الدلالى.
مثال ثالث من القرآن الكريم وذلك كلمة «يصطرخون» من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي