كُلَّ كَفُورٍ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر : ٣٦ ، ٣٧] فهذه الكلمة بجرسها الغليظ تصور بدقة بالغة «غلظ الصراخ المتجاوب من الكفار من كل مكان ، المنبعث من حناجر مكتظة بالأصوات الخشنة ، كما تلقى إليك ظل الإهمال لهذا الاصطراخ الذى لا يجد من يهتم به أو يلبيه. وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الذى هم فيه يصطرخون» (١).
وهذا الذى ذكره أ/ سيد قطب بين مدى القيمة الدلالية لهذه الكلمة بهذا التشكيل الصوتى بحيث لا يعبر عن تلك القيمة تشكيل آخر ولو كان من نفس مادة الكلمة ـ مثل (يصرخون) فإن فى الصاد والطاء بما فيها من تفخيم وإطباق يصطدم فيه اللسان بأعلى الفم عن اللثة عن نطق الطاء يعبر تمام التعبير عن حال أهل النار الذين يحاولون الخروج من تلك وهذا هو عين ما يصطرخون به (رَبَّنا أَخْرِجْنا) فإذ بهم يجدونها مطبقة عليهم ، تصطدم محاولاتهم وأصواتهم بجدرانها فترتد إليهم خائبة ، هذا الإطباق والاصطدام هو ما يوحى به اجتماع الصاد والطاء بما لهذا الاجتماع من سمات صوتية تشبه ذلك الحال ، كما تتلاقى دلالات التفخيم فى كل من الصاد والطاء والخاء لتعبر عن ضخامة الصراخ والجؤار لأهل النار كما تعبر الراء بما لها من صفة التكرارية عن تكرر ذلك الصراخ واستمراريته ، ويشارك فى هذا حرف الواو بما له من صفة المد والهوى إلى غاية سحيقة ليدل على طول هذا الصراخ ، ثم تأتى النون فى نهاية الكلمة معبرة بانتهاء الحزينة عن مدى الحسرة والخيبة التى يئوب بها الكافر من هذا الصراخ الطويل الدائم العظيم الأليم.
والملاحظ أن هذه الدراسات الحديثة قد تركزت فى أغلبها على ما يمكن أن نسميه بلغة الأسلوبية بالاختيار الأسلوبى للأصوات ، ولكن من بين هذه الدراسات الحديثة التى التفتت إلى القيمة الفنية لدلالة الأصوات نجد بعض الدراسات التى التفتت إلى دراسة تلك الظاهرة بوصفها تكرارا أسلوبيا.
فمن هذه الدراسات دراسة د / إبراهيم عبد الرحمن فى كتابه قضايا الشعر ، حيث ينص على تسمية هذه الظاهرة بظاهرة التكرار الصوتى ، ويتوصل إلى أن الشاعر الجاهلى كان يسعى إلى تحقيقه من طريقين متقابلين : أحدهما : نمطى ، يتصل بنظام القصيدة
__________________
(١) انظر سيد قطب ، التصوير الفنى فى القرآن (دار الشروق) ص ٧٦.