السين ـ غير معجمة ـ هى الأصل ، وكأنه اشتقّ من (الجعس) صفة على (فعلول) وذلك أنه شبّه الساقط المهين من الرجال بالخرء ؛ لذلّه ونتنه.
ونحو من ذلك فى البدل قولهم : فسطاط وفستاط ، وفسّاط ، وبكسر الفاء أيضا ، فذلك ست لغات. فإذا صاروا إلى الجمع قالوا (فساطيط وفساسيط) (ولا يقولون) (فساتيط) بالتاء. فهذا يدلّ أن التاء فى (فستاط) إنما هى بدل من طاء (فسطاط) أو من سين (فسّاط) فإن قلت هلا اعتزمت أن تكون التاء فى (فستاط) بدلا من طاء (فسطاط) لأن التاء أشبه بالطاء منها بالسين؟ قيل بإزاء ذلك أيضا : إنك إذا حكمت بأنها بدل من سين (فسّاط) ففيه شيئان جيّدان : أحدهما تغيير للثانى من المثلين ، وهو أقيس من تغيير الأوّل من المثلين ، لأن الاستكراه فى الثانى يكون لا فى الأوّل ؛ والآخر أن السينين فى (فسّاط) ملتقيتان ، والطاءين فى (فسطاط) منفصلتان بالألف بينهما ، واستثقال المثلين ملتقيين أحرى من استثقالهما مفترقين ، [وأيضا فإن السين والتاء جميعا مهموستان ، والطاء مجهورة].
فعلى هذا الاعتبار ينبغى أن يتلقّى ما يرد من حديث الإبدال إن كان هناك إبدال ، أو اعتقاد أصليّة الحرفين إن كانا أصلين. وعلى ما ذكرناه فى الباب الذى قبل هذا ينبغى أن تعتبر الكلمتان فى التقديم والتأخير ؛ نحو اضمحلّ وامضحلّ ، وطأمن واطمأنّ. والأمر واسع. وفيما أوردناه من مقاييسه كاف بإذن الله.
ونحن نعتقد إن أصبنا فسحة أن نشرح كتاب يعقوب بن السكّيت فى القلب والإبدال ؛ فإن معرفة هذه الحال فيه (أمثل من معرفة عشرة أمثال لغته ، وذلك أن مسألة واحدة من القياس) ، أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس. قال لى أبو على رحمهالله (بحلب) سنة ستّ وأربعين : أخطئ فى خمسين مسألة فى اللغة ولا أخطئ فى واحدة من القياس. ومن الله المعونة وعليه الاعتماد.
* * *