شربن بماء البحر ثم ترفّعت |
|
متى لجج خضر لهن نئيج (١) |
فهذا يدل على مخالطة السحائب عندهم البحر وتركّضها فيه ، وتصرّفها على صفحة مائه. وعلى كل حال فقول أبى بكر أظهر.
ومن ذلك قولهم : باهلة بن أعصر ، ويعصر ؛ فالياء فى (يعصر) بدل من الهمزة فى (أعصر) يشهد بذلك ما ورد به الخبر من أنه إنما سمّى بذلك لقوله :
أبنىّ إن أباك غيّر لونه |
|
كرّ الليالى واختلاف الأعصر (٢) |
يريد جمع عصر. وهذا واضح.
فأمّا قولهم : إناء قربان ، وكربان إذا دنا أن يمتلئ فينبغى أن يكونا أصلين ؛ لأنك تجد لكل واحدة منهما متصرّفا ، أى قارب أن يمتلئ ، وكرب أن يمتلئ ، إلا أنهم قد قالوا : جمجمة قربى (٣) ، ولم نسمعهم قالوا (كربى). فإن غلبت القاف على الكاف من هنا فقياس ما.
وقال الأصمعى : يقال : جعشوش ، وجعسوس (٤) ، وكل ذلك إلى قمأة وقلّة وصغر ، ويقال : هم من جعاسيس الناس ، ولا يقال بالشين فى هذا. فضيق الشين مع سعة السين يؤذن بأنّ الشين بدل من السين. نعم ، والاشتقاق يعضد كون
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى الأزهية ص ٢٠١ ، والأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٧ ، وجواهر الأدب ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٧ / ٩٧ ـ ٩٩ ، والدرر ٤ / ١٧٩ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ١٣٥ ، ٤٢٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٢٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٢١٨ ، ولسان العرب (شرب) ، (مخر) ، (متى) ، والمحتسب ٢ / ١١٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٩ ، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٥١٥ ، والأزهية ص ٢٨٤ ، وأوضح المسالك ٣ / ٦ ، والجنى الدانى ص ٤٣ ، ٥٠٥ ، وجواهر الأدب ص ٤٧ ، ٣٧٨ ، ورصف المبانى ص ١٥١ ، وشرح الأشمونى ص ٢٨٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٨ ، وشرح قطر الندى ص ٢٥٠ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٧٥ ، ومغنى اللبيب ص ١٠٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٤.
(٢) البيت من الكامل ، وهو لباهلة بن أعصر فى لسان العرب (عصر) ، وتاج العروس (عصر) ، ولمنبه بن سعد بن قيس عيلان فى أساس البلاغة (عصر) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (يبر) ، والمخصص ٦ / ٣٣.
(٣) جمجمة قربى : هى قدح من خشب يشرب فيه ، وهى أيضا ضرب من المكاييل.
(٤) جعشوش وحعسوس : هو القصير اللئيم.