كاد اللّعاع من الحوذان يشحطها |
|
ورجرج بين لحييها خناطيل (١) |
وأشباه هذا كثير.
والقياس من بعد أنه متى ورد عليك لفظ أن تتناوله على ظاهره ، ولا تدّعى فيه قلبا ولا تحريفا ، إلا أن تضح سبيل ، أو يقتاد دليل.
ومن طريف هذا الباب قولك فى النسب إلى (محيّا» : (محوىّ) وذلك أنك حذفت الألف ؛ لأنها خامسة ، فبقى محىّ كقصىّ ، فحذفت للإضافة ما حذفت من قصىّ ، وهى الياء الأولى التى هى عين (محيّا) الأولى ، فبقى (محى) فقلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصارت (محا) كهدى. فلمّا أضفت إليها قلبت الألف واوا ، فقلت (محوىّ) كقولك فى هدى : هدوىّ. فمثال محوىّ فى اللفظ (مفعىّ) واللام على ما تقدّم محذوفة. ثم إنك من بعد لو بنيت من (ضرب) ـ على قول من أجاز الحذف فى الصحيح لضرب من الصنعة ـ مثل قولك (محوىّ) لقلت (مضرىّ) فحذفت الباء من (ضرب) كما حذفت لام (محيّا). أفلا تراك كيف أحلت بالصنعة لفظ (ضرب) إلى لفظ (مضر) فصار (مضرىّ) كأنه منسوب إلى (مضر).
وكذلك لو بنيت مثل قولهم فى النسب إلى تحيّة : (تحوىّ) من نزف أو نشف أو نحو ذلك لقلت : تنفىّ. وذلك أن (تحيّة) تفعلة ، وأصلها (تحيية) كالتسوية والتجزئة ، فلمّا نسبت إليها حذفت أشباه حرفيها بالزائد وهو العين ، أعنى الياء الأولى ، فكما تقول فى (عصيّة وقضيّة) عصوىّ وقضوىّ ، قلت أيضا فى تحيّة (تحوىّ) فوزن لفظ (تحوىّ) الآن (تفلىّ) ؛ فإذا أردت مثل ذلك من (نزف) و (نشف) قلت (تنفى) ومثالها (تفلى) ؛ إلا أنه مع هذا خرج إلى لفظ الإضافة إلى
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لابن مقبل فى ديوانه ص ٣٨٧ ، ولسان العرب (رجج) ، (سحط) ، (لعع) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ٢٠٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٥٧ ، ٥٣١ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٣٨٥ ، والمخصص ١٠ / ١٨٧ ، وتاج العروس (رجج) ، (حوذ) ، (سحط) ، (لعع) ، (خنطل) ، وأمالى القالى ١ / ٢٥٧ ، ولجران العواد فى ديوانه ص ٨٥. الحوذان : نبت ، يشحطها : يذبحها. الرجرج : اللعاب. خناطيل : قطع متفرقة. يصف بقرة أكل السبع ولدها ، فهى تغص بما لا يغص به من اللعاع الأخضر حتى ليكاد يذبحها ، وهى تغص أيضا باللعاب الذى يتقطع خناطيل حزنا على ولدها.