ومنها السلامة. وذلك أن السليم ليس فيه عيب تقف النفس عليه ولا يعترض عليها به. ومنها [المسل و] المسل والمسيل كلّه واحد ، وذلك أن الماء لا يجرى إلا فى مذهب له وإمام منقاد به ، ولو صادف حاجزا لاعتاقه فلم يجد متسرّبا معه.
ومنها الأملس والملساء. وذلك أنه لا اعتراض على الناظر فيه والمتصفّح له. ومنها اللمس. وذلك أنه إن عارض اليد شيء حائل بينها وبين الملموس لم يصحّ هناك لمس ؛ فإنما هو إهواء باليد نحوه ، ووصول منها إليه لا حاجز ولا مانع ، ولا بدّ مع اللمس من إمرار اليد وتحريكها على الملموس ، ولو كان هناك حائل لاستوقفت به عنه. ومنه الملامسة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) [المائدة : ٦] أى جامعتم ، وذلك أنه لا بدّ هناك من حركات واعتمال ، وهذا واضح. فأمّا (ل س م) فمهمل. وعلى أنهم قد قالوا : نسمت الريح إذا مرّت مرّا سهلا ضعيفا ، والنون أخت اللام ، وسترى نحو ذلك.
(ومرّ بنا أيضا ألسمت الرجل حجّته إذا لقّنته وألزمته إيّاها. قال :
لا تلسمنّ أبا عمران حجّته |
|
ولا تكونن له عونا على عمرا (١) |
فهذا من ذلك ، أى سهلتها وأوضحتها).
واعلم أنا لا ندعى أن هذا مستمرّ فى جميع اللغة ، كما لا ندعى للاشتقاق الأصغر أنه فى جميع اللغة. بل إذا كان ذلك (الذى هو) فى القسمة سدس هذا أو خمسة متعذّرا صعبا كان تطبيق هذا وإحاطته أصعب مذهبا وأعزّ ملتمسا. بل لو صحّ من هذا النحو وهذه الصنعة المادّة الواحدة تتقلّب على ضروب التقلب كان غريبا معجبا. فكيف به وهو يكاد يساوق الاشتقاق الأصغر ، ويجاريه إلى المدى الأبعد.
وقد رسمت لك منه رسما فاحتذه ، وتقيّله تحظ به ، وتكثر إعظام هذه اللغة الكريمة من أجله. نعم ، وتسترفده فى بعض الحاجة إليه ، فيعينك ويأخذ بيديك ؛ ألا ترى أن أبا على [رحمهالله] كان يقوّى كون لام (أثفيّة) فيمن جعلها (أفعولة)
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى المخصص ١٢ / ٦٨.