هذا حلو حامض ، وإن جعلته وصفا لـ (قردة) صغّر معناه ؛ ألا ترى أنّ القرد لذلّه وصغاره خاسئ أبدا ، فيكون إذا صفة غير مفيدة. وإذا جعلت (خاسئين) خبرا ثانيا حسن وأفاد ، حتى كأنه قال : كونوا قردة [و] كونوا خاسئين ؛ ألا ترى أن ليس لأحد الاسمين من الاختصاص بالخبرية إلا ما لصاحبه ، وليس كذلك الصفة بعد الموصوف ؛ إنما اختصاص العامل بالموصوف ، ثم الصفة من بعد تابعة له.
ولست أعنى بقولى : إنه كأنه قال تعالى : كونوا قردة ، كونوا خاسئين ، أن العامل فى (خاسئين) عامل ثان غير الأوّل ؛ معاذ الله أن أريد ذلك ، إنما هذا شيء يقدّر مع البدل. فأما فى الخبرين فإن العامل فيهما جميعا واحد ، ولو كان هناك عامل آخر لما كانا خبرين لمخبر عنه واحد ، وإنما مفاد الخبر من مجموعهما. ولهذا كان عند أبى علىّ أن العائد على المبتدأ من مجموعهما ، لا من أحدهما ، لأنه ليس الخبر بأحدهما ، بل بمجموعهما. وإنما أريد أنك متى شئت باشرت بـ (كونوا) أىّ الاسمين آثرت ، وليست كذلك الصفة.
ويؤنّس بذلك أنه لو كانت (خاسئين) صفة لـ (قردة) لكان الأخلق أن يكون (قردة خاسئة) ، (وفى أن) لم يقرأ بذلك ألبتّة دلالة على أنه ليس بوصف. وإن كان قد يجوز أن يكون (خاسئين) صفة (لقردة على المعنى إذ كان المعنى) أنها هى هم فى المعنى ؛ إلا أن هذا إنما هو جائز وليس بالوجه ؛ بل الوجه أن يكون وصفا لو كان على اللفظ. فكيف وقد سبق ضعف الصفة هاهنا. فهذا شيء عرض قلنا فيه ثم لنعد.
أفلا ترى إلى تشبيههم الحروف بالأفعال وتنزيلهم إياها على احتذائها.
ومن ذلك قولهم : الوسيلة ، والوصيلة ، والصاد ـ كما ترى ـ أقوى صوتا من السين ؛ لما فيها من الاستعلاء ، والوصيلة أقوى معنى من الوسيلة. وذلك أن التوسّل ليست له عصمة الوصل والصلة ؛ بل الصلة أصلها من اتصال الشىء بالشىء ، ومماسّته له ، وكونه فى أكثر الأحوال بعضا له ، كاتّصال الأعضاء بالإنسان ، وهى أبعاضه ، ونحو ذلك ، والتوسّل معنى يضعف ويصغر أن يكون المتوسّل جزءا أو كالجزء من المتوسّل إليه. وهذا واضح. فجعلوا الصاد لقوّتها ، للمعنى الأقوى ، والسين لضعفها ، للمعنى الأضعف.