العقد ، فيعبر عنه بالدال التى هى أقوى من الشين ، لا سيما وهى مدغمة ، فهو أقوى لصنعتها وأدلّ على المعنى الذى أريد بها. ويقال شدّ وهو يشدّ.
فأما الشدّة فى الأمر فإنها مستعارة من شدّ الحبل ونحوه ، لضرب من الاتّساع والمبالغة ؛ على حدّ ما نقول فيما يشبه بغيره لتقوية أمره المراد به.
ومن ذلك أيضا جرّ الشىء يجره ؛ قدّموا الجيم لأنها حرف شديد ، وأوّل الجرّ بمشقّة على الجارّ والمجرور جميعا ، ثم عقّبوا ذلك بالراء ، وهو حرف مكرر ، وكرّروها مع ذلك فى نفسها. وذلك لأن الشىء إذا جرّ على الأرض فى غالب الأمر اهتزّ عليها ، واضطرب صاعدا عنها ، ونازلا إليها ، وتكرر ذلك منه على ما فيه من التعتعة والقلق. فكانت الراء ـ لما فيها من التكرير ، ولأنها أيضا قد كررت فى نفسها فى (جرّ) و (جررت) ـ أوفق لهذا المعنى من جميع الحروف غيرها. هذا هو محجّة هذا ومذهبه.
فإن أنت رأيت شيئا من هذا النحو لا ينقاد لك فيما رسمناه ، ولا يتابعك على ما أوردناه ، فأحد أمرين : إما أن تكون لم تنعم النظر فيه فيقعد بك فكرك عنه ، أو لأن لهذه اللغة أصولا وأوائل قد تخفى عنا وتقصر أسبابها دوننا [كما قال سيبويه :] أو لأن الأوّل وصل إليه علم لم يصل إلى الآخر.
فإن قلت : فهلا أجزت أيضا أن يكون ما أوردته فى هذا الموضع شيئا اتّفق ، وأمرا وقع فى صورة المقصود ، من غير أن يعتقد [وما الفرق]؟.
قيل : فى هذا حكم بإبطال ما دلّت الدلالة عليه من حكمة العرب التى تشهد بها العقول ، وتتناصر إليها أغراض ذوى التحصيل. فما ورد على وجه يقبله القياس ، وتقتاد إليه دواعى النظر والإنصاف ، حمل عليها ، ونسبت الصنعة فيه إليها. وما تجاوز ذلك فخفى لم توأس النفس منه ، ووكل إلى [مصادقة النظر فيه] ، وكان الأحرى به أن يتّهم الإنسان نظره ، ولا يخفّ إلى ادّعاء النقض فيما قد ثبّت الله أطنابه ، وأحصف بالحكمة أسبابه. ولو لم يتنبّه (على ذلك) إلا بما جاء عنهم من تسميتهم الأشياء بأصواتها ؛ كالخازباز لصوته ، والبطّ لصوته ، والخاقباق لصوت الفرج عند الجماع. والواق للصرد (١) لصوته ، وغاق للغراب لصوته ،
__________________
(١) الصرد : طائر فوق العصفور. والواق (بكسر القاف حكاية لصوته).