وبين حال الآلهة الباطلة المزعومة من حيث العجز عن تقديم أى نوع من الهداية لشركائهم قل أم كثر ، طال طريقه أم قصر ، ولذا جاءت الآية بهذا الأسلوب الاستفهامى الإنكارى : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ)؟ ويأتى المد فى ياء يهدى ليوحى بطول طريق الهداية لدى هؤلاء الشركاء لو هدوا ، وتتضافر دلالة المد هنا وهى دلالة صوتية مع الدلالة المعجمية لكلمة (إلى) التى تفيد بعد المسافة ، فكأن الله تعالى يقول لهم : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) ولو بطريق طويل بعيد؟! ويأتى الجواب فى صورة التحدى الذى لا يحتمل الموازنة والمقارنة : (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) وهنا تأتى الدلالة الصوتية ممثلة فى ترك المد فى ياء يهدى إيحاء بقصر مسافة الهداية بالنسبة لله تعالى ، فهو يهدى إلى طريق مستقيم ، والطريق المستقيم هو أقصر الطرق المؤدية إلى الحق.
وتتضافر تلك الدلالة الصوتية مع الدلالة المعجمية لحرف اللام الذى يفيد قرب المسافة ولصوقها ، فهدايته سبحانه تقربك للحق وتلصقك به من أقرب الطرق وأقصرها.
ثم يأتى الاستفهام التوبيخى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وهنا يأتى المد فى الهداية المنسوبة إلى الحق سبحانه ، ليصبح المعنى : أفمن يهدى إلى الحق ولو بطريق طويل ـ (مع أن طريق هدايته أقصر الطرق ، ولكن كأنه يعبر عن طوله فى نظر المعرضين) ـ أحق أن يتبع أم من لا تكون منه الهداية أصلا ولو ببطء شديد وتراخ إلى الأبد؟!.
وهنا يأتى العدول الصوتى فى كلمة (يهدى) التى لا نظير لها فى السياق القرآنى كله لتعبر بذلك التشكيل الصوتى ، وتلك الطريقة النطقية عن البطء الشديد فى الهداية يستفاد ذلك البطء من كسر الهاء التى تأتى من أقصى الحلق ليصطدم الصوت بالدال الأسنانية المشددة المكسورة التى يظل الصوت حبيسا عندها لتضعيفها ثم يتمادى به فى الهوى مع الياء الممدودة مدا طويلا ، لوجود سبب المد بعده وهو همزة إلا ، ليوحى ذلك المد بطول طريق الهداية مع بطئها الشديد كذلك.
ثم يزداد عجبك بعد ذلك إذا تأملت أن تلك الهداية مع بطئها وطولها الشديد وتراخيها الأبدى منفية كذلك على كل حال ، فهؤلاء الشركاء لا يهدون أبدا بحال من الأحوال ؛ إلا أن يهدوا ، ولا تكون الهداية إلا من الله تعالى ، فهم لا يهدون أصلا من