وقول خفاف بن ندبة :
وقفت له علوى وقد خام صحبتى |
|
لأبنى مجدا أو لأثأر هالكا |
أقول له والرمح يأطر متنه |
|
تأمّل خفافا إننى أنا ذلكا (١) |
ألا ترى أن الألف فى (هالكا) و (بارك) تأسيس لا محالة ، وقد جمعهما مع الألف فى (ذلكا) [و (ذلك)] وهى منفصلة ، وليس الروىّ ـ وهو الكاف ـ اسما مضمرا (كياء قوله) (بدا ليا) ، ولا من جملة اسم مضمر كميم (كما هما). وهذا يدلّ على أن الكاف فى (ذلك) اسم مضمر لا حرف.
قيل : هذا كلام لا يدخل على المذهب فى كونها حرفا ، وقد قامت الدلالة على ذلك من عدّة أوجه.
ولكن بقى علينا الآن أن نرى وجه علّة جواز كون الألف فى (ذلك) تأسيسا ، مع أن الكاف ليست باسم مضمر.
وعلّة ذلك أنها وإن تجرّدت فى هذا الموضع من معنى الاسمية فإنها فى أكثر أحوالها اسم ؛ نحو رأيتك ، وكلّمتك ، ونظرت إليك ، واشتريت لك ثوبا ، وعجبت منك ، ونحو ذلك. فلمّا جاءت هاهنا على لفظ تلك التى هى اسم ـ وهو أقل الموضعين ـ حملت على الحكم فى أكثر الأحوال ، لا سيّما وهى هنا وإن جرّدت من معنى الاسمية فإن ما كان فيها من معنى الخطاب باق عليها ، وغير مختزل عنها. وإذا جاز حمل همزة علباء على همزة حمراء ، للزيادة ، وإن عريت من التأنيث الذى دعا إلى قلبها فى صحراوات وصحراوىّ ، كان حمل كاف (ذلك) على كاف رأيتك جائزا أيضا ، وإن لم يكن أقوى لم يكن أضعف.
وقد اتّصل بما نحن عليه موضع طريف. ونذكره لاستمرار مثله.
وذلك أن أصغر الناس قدرا قد يخاطب أكبر الملوك محلا بالكاف من غير
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما لخفاف بن ندبة فى ديوانه ص ٦٤ ، ولسان العرب (جلا) ، (علا) ، وتاج العروس (جلا). علوى : اسم فرسه. خام أى جبن. يأطر متنه : أى يثنيه ويعطفه ، وذلك كسره بالطعن.