أن تعريد (١) كل من الفريقين : البصريين والكوفيين عنه ، وتحاميهم طريق الإلمام به ، والخوض فى أدنى أوشاله (٢) وخلجه (٣) ، فضلا عن اقتحام غماره ولججه ، إنما كان لامتناع جانبه ، وانتشار شعاعه (٤) ، وبادى تهاجر قوانينه وأوضاعه. وذلك أنّا لم نر أحدا من علماء البلدين (٥) تعرّض لعمل أصول النحو ، على مذهب أصول الكلام والفقه. فأما كتاب أصول أبى بكر (٦) فلم يلمم فيه بما نحن عليه ، إلا حرفا أو حرفين فى أوّله ، وقد تعلّق عليه به. وسنقول فى معناه.
على أن أبا الحسن (٧) قد كان صنّف فى شيء من المقاييس كتيبا ، إذا أنت قرنته
__________________
(١) التعريد : الهرب والفرار.
(٢) أوشال : جمع وشل ، وهو القليل من الماء.
(٣) خلج : جمع خلوج ، وهو النهر ، أو شرم من البحر. ويأتى الخليج وجمعه خلج بمعنى الماء الكثير فعلى هذا تكون مطابقة بين الوشل والخلج ، القاموس (خلج) ، وقد يكون الخلج هنا جمع خلوج بمعنى القليل من الماء لأن النهر أقل من البحر ، أو لأن الخلج شرم من البحر ، ولعل هذا هو الأولى لتكون هناك مقابلة بين كل من الأوشال والخلج فى مقابل الغمار واللجج.
(٤) انتشار شعاعه ، يعنى : انتشار متفرّقه ؛ تقول : ذهبوا شعاعا ، أى : متفرّقين ، وطار فؤاده شعاعا : تفرقت همومه. القاموس (شعع).
(٥) البلدان : البصرة والكوفة.
(٦) هو ابن السراج محمد بن السرىّ ، توفى سنة ٣١٦ ه. وهو المعنىّ بأبى بكر حيث أطلق. وكتاب «الأصول» له لا يعنى ببيان أصول النحو إلا لماما حرفا أو حرفين ـ كما قال ابن جنى ـ إنما موضوعه : أصول القواعد النحوية ، لا أصول الأدلة النحوية من السماع والإجماع والقياس والاستصحاب. انظر مقدمة محققه د. حسين الفتلى.
(٧) هو الأخفش سعيد بن مسعدة توفى سنة ٢١٠ ه ، وهو الأخفش الأوسط. والأخافش أحد عشر ، ذكرهم السيوطى فى كتابه «المزهر» فى النوع السابع والأربعين من علوم اللغة ، وهو «معرفة المتفق والمفترق» الفصل الأول : فيما يتعلّق بأئمة اللغة والنحو ، قال : «الأخفش أحد عشر نحويا:
أحدهم : الأخفش الأكبر ، أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد ، أحد شيوخ سيبويه.
والثانى : الأخفش الأوسط ، أبو الحسن سعيد بن مسعدة ، تلميذ سيبويه.
والثالث : الأخفش الأصغر ، أبو الحسن على بن سليمان ، من تلامذة المبرد وثعلب ، مات سنة ٣١٥ ه.
والرابع : أحمد بن عمران بن سلامة الألهانى مصنف غريب الموطإ ، مات قبل سنة ٢٥٠ ه.
والخامس : أحمد بن محمد الموصلى أحد شيوخ ابن جنّى ، مصنف كتاب «تعليل القراءات» ...» ا ه. المقصود من كلام السيوطى. ـ