وصهيل الفرس ، ونزيب (١) الظبى ونحو ذلك. ثمّ ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندى وجه صالح ، ومذهب متقبّل.
واعلم فيما بعد ، أننى على تقادم الوقت ، دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع ، فأجد الدواعى والخوالج قويّة التجاذب لى ، مختلفة جهات التغوّل (٢) على فكرى. وذلك أننى إذا تأمّلت حال هذه اللغة الشريفة ، الكريمة اللطيفة ، وجدت فيها من الحكمة والدقّة ، والإرهاف ، والرقّة ، ما يملك علىّ جانب الفكر ، حتى يكاد يطمح به أمام غلوة (٣) السحر. فمن ذلك ما نبّه عليه أصحابنا رحمهمالله ، ومنه ما حذوته على أمثلتهم ، فعرفت بتتابعه وانقياده ، وبعد مراميه وآماده ، صحّة ما وفّقوا لتقديمه منه. ولطف ما أسعدوا به ، وفرق لهم عنه. وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله جل وعزّ ؛ فقوى فى نفسى اعتقاد كونها توفيقا من الله سبحانه ، وأنها وحى.
ثم أقول فى ضدّ هذا : كما وقع لأصحابنا ولنا ، وتنبهوا وتنبهنا ، على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة ، كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا ـ وإن بعد مداه عنا ـ من كان ألطف منا أذهانا ، وأسرع خواطر وأجرأ جنانا. فأقف (٤) بين تين الخلّتين حسيرا ، وأكاثرهما فأنكفئ مكثورا. وإن خطر خاطر فيما بعد ، يعلّق الكف بإحدى الجهتين ، ويكفها عن صاحبتها ، قلنا به ، وبالله التوفيق.
* * *
__________________
(١) النزيب : صوت تيس الظباء عند السفاد.
(٢) تغوّل الأمور : اشتباهها وتناكرها.
(٣) الغلوة : الغاية فى سبق الخيل ، يريد أنه يدنو من غاية السحر.
(٤) يبدو من هذا أن مذهب ابن جنى فى هذا المبحث الوقف ، فهو لا يجزم بأحد الرأيين : الاصطلاح والتوقيف قال (النجار) : وقد صرح بهذا ابن الطيب فى شرح الاقتراح.