أو انزال الهوان والحقارة بهم ، لأنه الغرض من (١) الاستهزاء. فهذا ، أيضا ، من المجاز المرسل ، لعلاقة السببية في التصور والمسببية في الوجود. وفي هذا التوجيه ، تنبيه على أن مذهبهم ، حقيق بأن يسخر منه ويستهزئ به ، لأجله ، أو معاملته سبحانه ، معاملة المستهزأ بمن يستهزئ به. واستعمل لفظ المشبه به ، في المشبه ، فيكون استعارة. وهي ، في الدنيا ، فبإجراء أحكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالامهال والزيادة في النعمة ، مع تماديهم في الطغيان ، وفي الآخرة ، فبأن يفتح وهم في النار ، باب الى الجنة ، فيسرعون اليه. فإذا قربوا منه ، سدّ عليهم.
أو إرجاع وبال الاستهزاء اليهم ، فيكون كالمستهزئ بهم. فيكون استعارة ، أيضا.
أو لازم معناه. وهي اظهار خفة عقل المستهزأ به وقلته. فيكون سبحانه ، مستهزئ بهم ، في عين استهزائهم بالمؤمنين. فان من استهزائهم بهم ، مع ظهور أمرهم يظهر خفة عقولهم وقلتها. وهو استئناف. فإنهم لما بالغوا في استهزاء المؤمنين ، مبالغة تامة ، ظهر بها ، شناعة ما ارتكبوه. وتعاظمه على الأسماع ، على وجه ، يحرك السامع أن يقول : هؤلاء الذين هذا شأنهم ، ما مصير أمرهم وعقبى حالهم؟
وكيف معاملة الله والمؤمنين إياهم؟
وفي تصدير الاستئناف بذكر الله ، دلالة ، أولا ، على أن الاستهزاء بالمنافقين هو الاستهزاء الأبلغ. الذي لا اعتداد معه ، باستهزائهم. وذلك لصدوره ، عمن يضمحل علمهم وقدرتهم ، في جنب علمه وقدرته. وثانيا ، على أنه تعالى ، يكفي مؤنة عباده المؤمنين وينتقم (٢) لهم ، ولا يحوجهم الى معارضة المنافقين ، تعظيما لشأنهم. وانما قال : «يستهزئ». ولم يوافق لقولهم ، ليفيد حدوث الاستهزاء
__________________
(١) ليس في أ.
(٢) أ : ولا ينتقم.