فلا بد أن يراد ما هي سبب عنه ، أعني : ترك ما يستحيى عنه. فيكون مجازا من باب اطلاق اسم (١) السبب ، على المسبب. أو يجعل من قبيل الاستعارة التمثيلية بأن يشبه حال الله سبحانه ، مع ضرب المثل بالمحقرات ، بحال المستحي ، مع ما يستحي منه. فكما أن المستحي ، يترك (٢) ما يستحي منه ، كذلك سبحانه ، يترك ضرب المثل بالمحقرات.
فإذا نفى ذلك المعنى ، صار المعنى : أنه ليس حاله سبحانه ، مع ضرب المثل بها ، كحال المستحي ، مع ما يستحي منه ، في الترك. فلا يترك سبحانه ، ضرب المثل ، كما يترك المستحي ، ما يستحى منه.
فان قلت : يلزم حينئذ ، وقوع الفعل. فيشكل ذلك من أنه ما وقع في القرآن.
ذكر البعوضة والتمثيل بها. ولا ذكر ما فوقها ، إذا أريد به ، ما فوقها في الحقارة.
قلت : كما أن للاستحياء ، لازما هو ترك المستحى منه ، كذلك لعدم الاستحياء لازم هو جواز وقوع الفعل. فانه لا يلزم من عدم السبب ، الا جواز وقوع المسبب لا وقوعه.
فيصير المعنى : ان الله سبحانه ، يجوز أن يقع منه ، ضرب المثل ، بالبعوضة فما فوقها. ولا شك أن الجواز ، لا يستلزم الوقوع.
ويجوز أن يكون هذه العبارة ، مما وقعت في كلام الكفرة. فقالوا : أما يستحي رب محمد ، أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت؟ فجاءت هنا ، على سبيل المشاكلة. وهي أن يذكر الشيء ، بلفظ غيره ، لوقوعه في صحبته. كقوله : قالوا
__________________
(١) ليس في أ.
(٢) أ : بترك.