فان أبناء المجتمع يجب أن يصبحوا قضاة عدولا ، ولا يحكموا ضد أو مع هذا وذاك ، من دون دليل ثابت حتى ولو كان الشخص من اعدائي أو من اقاربي. لا بد ان يكون كلامي عدلا.
(وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى)
وإذا امتلك المجتمع روحا قضائية عادلة حكم أبناؤه لصاحب الحق وضد الظالم انّى كان ، فانه يصبح ذا مناعة كافية عن انتشار الظلم فيه ، وعن نمو الجريمة ، إذ أن الظالم لا يبدأ ظلمه بظلم كبير ، وكذلك المجرم لا يقترف جرائم كبيرة مرة واحدة ، انما يتدرج نحوها شيئا فشيئا ، فاذا ظلم الشخص مرة فعارضه أقرب رفاقه وأقاربه فسوف ينسحب لصالح المظلوم ، يتأدب ، ويتخذ لمستقبله درسا لا ينساه ، وكذلك المجرم لو قام في البدء بجريمة صغيرة في محيط معارض له فسوف يتوقف عن الاستمرار في الجريمة.
(وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا)
هناك صلات طبيعية بين أبناء المجتمع كصلة الآباء ، بالأبناء ، وقد سبق الحديث عنها في الدرس السابق ، وهناك صلات حضارية أساسها التعاون على الخير ، والمصالح المشتركة وقد تحدث عنها القرآن في هذا الدرس ، بيد أن شرط بقاء هذه الصلاة هو تحكيم النظرة التوحيدية في العلاقات ، وذكرها الله سبحانه متمثلا في حرمة الحقوق ، وعدالة القضاء ، والآن ذكر الله سبحانه العهد باعتباره الحبل المتين الذي يشدّ المجتمع ببعضه ، ومن دون تقديسه واحترامه لا يثق المجتمع ببعضه ، فيختل التعاون ، بل يستحيل التعاون ، إذ لا يمكن أن تعوّض القوانين المستوردة والضابط الالكتروني بالعهد ، حيث إن البشر قادر على تجاوزها والالتفاف حولها ، ولكنه لا يستطيع تجاوز ضميره ، والالتفاف حول وجدانه.