(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) :
[١٩] تتلاحق الأحداث ، وتترى الظواهر ، وتجري سفينة الحياة في بحر عالي الموج ، عاصف الريح ، ولكن وراء تلك الظواهر أنظمة حكيمة تمسكها ، والله من وراء تلك الأنظمة يمسك زمامها ويوجهها ، فالله هو ضمير الكون ـ الذي لا يخلو منه مكان ـ تجد آثاره في قطرات المطر الزاخر ، فتجد وراء كل قطرة ـ قدرته. حكمته. هيمنته. سلطانه. نعمته. رحمته. وفضله ـ والأرض حين تهش لقطرات المطر تشربها ، وتحتضن حبات القمح تداعبها ، حتى يتفجر الحقل روعة وخضرة ونعيما ، ان هناك يتجلى الله الحق .. في السماء ، والأرض والدواب ..
كل شيء شاهد على ذاته ، الشجر يشهد على ذاته بالمساحة التي يأخذها من الأرض ، ومن الفراغ ، وبالثمر الذي يقدمه لك ، ولكن الله لا يغيب عنه شيء ، لأنه وراء كل شيء. انه الذي يمسك كل شيء بما أعطاه من الحركة والفاعلية والسنن والأقدار ، فالله شاهد على كل شيء ، وحاضر عند كل شيء ، وكل شيء آية له ، لأنه منه ومعه واليه ، فالله إذا أكبر شهادة من أيّ شيء :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)
انه يدل على ذاته بذاته ، ويدل على كل شيء ، انه يعطيك السمع والبصر والبصيرة ، ويتجلى بآياته في مهرجان الحياة حتى تعيش معه في كل لحظة ومع كل شيء. يبقى أنت الذي قد تغيب عن ربك (دون أن يغيب عنك) انه قريب المسافة ، بينك وبينه لحظة الالتفات والتوجه ، ولكي لا تغيب عنه ، ولكي تتكامل ذاتك الى مستوى العيش مع ربك. أرسل الأنبياء ، وزودهم بالكتاب لينذرك لأن الإنذار أقرب الطرق الى قلب البشر ان البشر غافل بطبعه ، وسلاح الخوف أفضل وسيلة لخرق حجب الغفلة عن قلبه.