والصدق والفداء وهذه الصفات تكشف للناس غير ذلك ، وإما أن يكونوا صادقين ، ولولا هذا التأكيد المكرر على أن الافتراء على الله ضلالة كبري وجريمة نكراء ، لكنا نحتمل أن يكون النبي كاذبا لمصلحة الناس مثلا دون أن يعرف أهميّة الكذب أو مدى قبحه ، وموسى (عليه السلام) بدأ حديثه مع فرعون بهذه الكلمة.
(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ)
أيّ يجب الا أقول على الله إلا الحقيقة ، وهذا الوجوب أعرفه جيدا واعترف به ، فاني بعيد عن الكذب على الله بسبب اعتبار ذلك جريمة ، وأكثر من هذا اني أملك بينة واضحة على ذلك.
(قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ)
لقد كانت رسالة الله على موسى ذات صفة اجتماعية واضحة ، حيث طالب موسى فرعون بكف الظلم عن بني إسرائيل الذين استضعفهم فرعون ، ومن المعلوم ان موسى (عليه السلام) كان يهدف أيضا نجاة فرعون وقومه من ضلالتهم ، لكن بدأ رسالته من حيث كان الانحراف الكبير أو الفساد العظيم ، وهكذا ينبغي ألا تكون دعوة المصلحين في الفراغ ، بل متجهة الى أكبر انحرافات المجتمع لكشفها وإصلاحها.
[١٠٦] أما فرعون رأس هرم المجتمع الفاسد ، وقائد الملأ الكاذب فانه تحدى موسى (عليه السلام) ، وطالبه بالآية التي جاء بها.
(قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
[١٠٧] واستجاب موسى (عليه السلام) للتحدي فورا.