أما المؤمنين فإنهم تقبلوا التهديد بكل رحابة صدر وقالوا : إن الموت هو جسر العبور للعودة الى الله تعالى ، وقالوا له : ان تهمك باطلة ، وانما تريد أن تعذبنا لأننا آمنا بآيات ربنا ، وعلامات الحقيقة حيث جاءتنا ، وطلبوا من الله سبحانه ان يمدهم بالصبر ، وأن يختم عاقبتهم بالخير.
وهكذا اسدل الستار على مشهد آخر من مشاهد صراع الحق والباطل.
بينات من الآيات :
التوكل على الله سرّ العظمة :
[١١٧] موسى الذي تحدى كلّ ذلك الطغيان الجاهلي العظيم بسحره وجبروته وارهابه لم يفعل ذلك بقدرته الذاتية ، بل بالقدرة المعنوية ـ بالتوكل على الله ـ وهذا هو سر العظمة ، إذ لو كان موسى يملك سحرا أقوى ثم يتحدى سحر السحرة ، أو كان يملك جيشا أكبر ثم يتحدى الطاغوت فرعون ، أو يملك جماهير أكثر إذن ما كان له هذا الفخر وهذه العظمة ، انما كان يتحدى الجاهلية بعصاته التي يخشى منها حين يلقيها ، لأنه لا يعرف كيف تتحول الى ثعبان ، وحين وقف موسى أمام السحرة ورأي سحرهم العظيم ، وأنهم استرهبوا الجماهير ، وكادوا يضللونهم أوجس في نفسه خيفة ، لأنه يخاف من غلبه الجهال ودول الضلال كما جاء في الحديث ، ولكن يشاء ربه امتحان الناس بهذا السحر ، وامتحان استقامته ، وحين ينتصر موسى بعصاه حينذاك تكون عظمة موسى ، لأنه يعتمد على الايمان ، ويضحي بنفسه في هذا المجال ، لذلك يؤكد ربنا على الوحي في مواجهة الجاهلية ويقول :
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ)
أيّ تبتلع إفكهم وانحرافهم وكذبهم.