(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
ومعرفة هذه الحقيقة وهي : أن السلطة الحاكمة ليست أبدية ، وإنما هي نتيجة عوامل ومعادلات سياسية اجتماعية ، وانه لو غيرنا المعادلة والعوامل سقطت السلطة ، وجاء بديلها السلطة الأكثر قوة وكفاءة ، وهي حكومة المتقين ، معرفة هذه الحقيقة تفجر طاقات الجماهير المستضعفة وتعطيها الأمل والصمود.
[١٢٩] وأما قوم موسى فقد طفح كيلهم ، وكاد اليأس يحيط بقلوبهم حيث :
(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا)
ولكن حين تفقد الامة قدرة الاحتمال من شدة الضر الذي يصيبها ، وحين تتضرع الى الله وينقطع أملها من النجاة بالوسائل الاصلاحية المتدرجة ، وتعرف أن تغييرا جذريا في شخصيتها وفي علاقاتها مع بعضها ومع الطبيعة أنه الكفيل بنجاتها ، وهذا لا يمكن إلّا عن طريق الايمان بالله وبرسالاته ، حينذاك فقط تنزل عليها رحمة الله سبحانه لذلك ذكرهم موسى و..
(قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)
والانتصار إنما هو بهدف الامتحان ، وعلى الأمة ألّا تفكر في ذلك الانتصار الرخيص الذي هدفه استعلاء طائفة ، واستكبار فريق مكان فريق آخر ، بل تفكر سلفا أن الانتصار لا يحصل لفريق أو لحزب أو لطائفة بل للمبدأ ، وتعمل الأمة في هذا المجال حتى تنجح بإذن الله.
لذلك فان الحركات الحزبية التي همها انتصارها هي لا انتصار الأمة ، تفشل في الأكثر ، لأن الله لا ينصر أمة إلّا بعد أن تتضرع إليه ، ويكون هدفها رساليا خالصا.