التقوى ، والتعاون على البر والإحسان.
ولكن هذه السنن الطبيعية لا تعني ان قمة الكمال هي في التعرف عليها ، والاهتداء الى كيفية الاستفادة منها ، بل قد يكون التكامل في تغيير الطبيعة وتكييفها حسب القيم العليا للحياة ، مثل تحويل الحياة القبلية الى حياة أميّة تستلهم من قيمة التقوى في بناء علاقاتها الاجتماعية ، كما كانت الامة الاسلامية الاولى ، وكما تكون التجمعات الرسالية المكتملة ، حيث يرتفع الفرد فيها على علاقاته الاسرية والقبلية ، ويبني أساس علاقاته على الاخوة المبدئية ، ويكون التجمع هو أبوه وأخوه ورابطته الأولى ، ويرى نفسه ابنا للتجمع قبل أن يكون ابنا لوالديه ، ومنتميا الى حزب الله قبل أن يكون منتميا الى قبيلة كذا أو عنصر كذا.
ومن هنا بدأ الله حديثه عن الأمة الواحدة في بني إسرائيل في الدرس السابق ثم تحدث عن الأمم المتنافسة ، وبيّن أن رسالة موسى (عليه السلام) كانت تهتم أيضا بتلك القبائل والأسباط ، وتستخدم تلك العلاقات الطبيعية في تنظيم المجتمع ، لذلك فجّر الله لموسى اثنتي عشرة عينا ، لكلّ قبيلة مشربا معينا.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ)
ثم بيّن الله النعم التي أسبغها لأولئك الناس الذين لم يذوّبوا أنفسهم بالكامل في بوتقة الايمان ، وقال تعالى :
(وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)
المنّ هو قسم من الحلوى ، والسلوى هو الطير المشوي.
(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)