عرفوا مكانه وشرفه كتموا أمره مخافة أن يعرض له بسوء لأجل ما كان من أمر أبيه مالك وأخيه جذيمة الأبرش في ملوك فارس وأكرموا مثواه وأعجبهم ما رأوا من فصاحته وجماله وكمال أمره فرفعوا قدره وأرادوا أن يجزوه بكريمة من كرائم نسائهم ، وكان ملكهم في ذلك الزمان ولد (دارا بن دارا بن بهمن) وكان كثير العسف والظلم جبارا غشوما على رعيته وأهل مملكته ، وكان إذا تزوجت إمرأة من نسائهم ولم تزف إليه قبل زوجها قتلها وقتل أهلها وبعلها ولا يقدر أحد أن يبني بامرأة إلا بعد أن يغتصبها الملك ويجامعها بكرا كانت أم ثيّبا.
فأخبروا سليمة صنع الملك فيهم وشكوا إليه جوره وأنهم لا يقدرون عليه لكثرة حجابه وحرسه ، فقال سليمة ماذا لي عليكم إذا كفيتكموه وأرحتكم منه ، فقالوا أنى لك ذلك ولم يقدر عليه من كان قبلنا من أهل العز والسلطان ، فقال تدبير الأمر عليّ فماذا لي عليكم؟ قالوا ما شئت : قال إذا كان الغد ليحضر عندي أهل الوفاء والعهد والتقديم منكم.
فلما كان الغد اجتمع إليه عظماء كرمان وأشرافها وأهل الوفاء فجرى الكلام بينهم فقال سليمة إن مكنتموني فيما أشرط عليكم دبرت الأمر ، فقالوا كلهم لك ذلك ، فقال أريد أن تصيروا لي ملكه وسلطانه لي ولعقبي من بعدي على أن اخذ جميع غلات كرمان وخراجها إلى أن أتمكن ، وأنتخب من العرب من أردت وأجعلهم معي وعلى أن تزوجوني من نسائكم ، فأعطوه ذلك وضربوا على يده ، وقالوا لك الوفاء بجميع ما طلبت وشرطت وبايعوه على قتل الملك وأعطوه العهود والمواثيق على الوفاء وكتموا أمرهم.
وكان فيهم من بيت الملك وهم قوامه ونظام ملكه ولكن كثر عليهم ظلمه وكرهوه وأرادوا قتله راحة لهم ، فانظروا أيها السامعون في عاقبة الظلم والجور أدى به إلى أن يقتله أقرباؤه ولو عدل لأحبه البعداء والأدنياء وتمنوا له طول العمر والنصر على الأعداء.