أثناء السفر ، لاحظت كيف يهيئ البدو القهوة لأنفسهم. البن المحمّص يطحنونه في هاون زمنا طويلا جدّا ؛ ولا يدقون كيفما اتفق ، بل بإيقاع وانقطاعات مختلفة ؛ ثم يسكبون الماء الغالي على البن ، ويضعونه على النار ، ولكن لا يدعونه يغلي من جديد. وحين تصبح القهوة جاهزة ، يبدأ تقديمها لجميع الحاضرين بلا استثناء. القهوة يشربونها ساخنة جدّا ؛ ولهذا لا يسكبون في الفنجان أكثر من جرعتين أو ثلاث. القهوة من تحضير البدو مشروب ثقيل ومرّ جدّا يستحيل شربه بدون الاعتياد عليه.
٢٥ أيار (مايو). يوم الأثنين. في الحديث مع ثابت ، سمعت منه قصة طريفة عن سفره للسنة الثالثة من ينبع إلى جدّة. بما أن موعد سفر الباخرة لم يكن متوقعا عما قريب ، فقد سافر مع قرابة ٧٠ شخصا على متن زورق شراعي. (الزورق من هذا الطراز يسمونه «سمبك» ، وهو بلا متن وله شراع واحد. حمولته زهاء ٣٠٠٠ بود ، ويأخذ كذلك ركابا بأجر قدره بورون واحد (الريال ـ ٨٨ كوبيكا) بين المدينتين المذكورتين. تنطلق الزوارق بمحاذاة الشاطئ ، وترسو ليلا على البر).
قرب رابغ اصطدم الزورق بصخرة تحت الماء وجنح كثيرا. رأى البدو من الشاطئ سوء أحوال السمبك ، فاقتربوا بأعداد كبيرة على زوارقهم الصغيرة ، ولكن شرعوا يساومون غير مستعجلين للانقاذ. طفق أحد الركاب ، وهو شيخ جليل ، مصري ، يحاول اقناع الرحل ينقلهم إلى الشاطئ معلنا أن كل ما معهم يصبح ملكا لهم ، شرط أن ينقذوا حياتهم. وافق البدو على نقلهم جميعا ، لا إلى الشاطئ حيث كانوا يخافون من أن يسلبهم أبناء قبيلتهم ، بل إلى جزيرة صغيرة ، وتركوهم فيها وعكفوا على أن يستخرجوا لأنفسهم من الماء أكياس القمح التي كانت في الزورق الذ غرق فور اقلاعه. دام هذا العمل طوال الليل كله. وأخيرا جاء البدو في الصباح إلى الجزيرة حيث الركاب المنقذين. وهنا من جديد ، أصغوا إلى وعود المصري المذكور ووافقوا على نقلهم جميعا إلى جدة بأجر قدره