الوثائق ، ومن ليس معهم جوازات سفر تركية يزودونهم بها ، ثم يتفحصون الأمتعة ، وأخيرا يسمحون بالخروج إلى الشاطئ.
وعشية النزول ، أخذنا أنا وكثيرون من الحجاج القادمين من الشمال نعاني من اختلال قوى في المعدة وبعطش معذّب ولا يرتوي وبضعف غير عادي لم أستطع أنا شخصيا أن أتخلص منه تماما طوال إقامتي في الحجاز.
في الرأس الأسود ، اصطدمت للمرة الأولى بالأنظمة التركية غير المعقولة إطلاقا ، بدءا من مسألة الماء. فإن ماء الشرب يستجلبونه إلى هنا من جدّة على زوارق شراعية لا تستطيع أن تبحر إلا نهارا بسبب من وفرة الصخور التحتمائية وإلا إذا هبت ريح مؤاتية إلى هذا الحد أو ذاك. والماء المستجلب يبقى في الزوارق ، وليس على الشاطئ أية خزانات أو أية احتياطيات. وفي يوم وصولنا نفذ كل احتياطي الماء حوالي الظهر ، وراحت الزوارق إلى المدينة لجلبه. وحوالي الساعة الرابعة نفد كل احتياطي الماء عند الحجاج ، فأخذوا ينتظرون عودة الزوارق متجمعين جمعا ضخما جدّا على الرصيف ، ولكنهم عبثا انتظروا حتى ساعة متأخرة من الليل وسافروا في اليوم التالي دون أن يحصلوا على الماء.
كذلك لم أفهم الواقع التالي ؛ ففي يوم وصول البواخر ، جاء بحرية من جدّة ، رغم الحجر الصحي ، باعة بالمفرق طفقوا يبيعون بين الحجاج شتى التوافه ؛ وكثيرون من التجار ممن كانت لهم هنا دكاكين كانوا يوصلون الاتصال مع المدينة بلا عائق ؛ وأخبرني سواقو الحمير أنهم ، في طريقهم من مكة ، عرجوا على جدّة ثم على البحرة وحدّة ؛ وقد رأيت شخصيا بضع جماعات من الجنود جاؤوا مباشرة ، كما قالوا ، من المدينة الموبوءة.
في الرأس الأسود ، كان القنصل الفارسي يعمل على الدوام في هذه السنة وكان فسطاطه الغنى الذي تنيره في المساء المشاعل من كل الجوانب يسترعي إنتباه جميع الحجاج.