حوله جميع سواقي الجمال الآخرين وفي ايديهم السلاح. وفي هذه الأثناء ظلت القافلة تواصل السير كما من قبل وفي مقدمتها جميع البدو. خلال ربع ساعة ، انعطف الطريق عدة مرات وبعد خروجه من الجبال ، أخذ ينزل إلى الشريط الساحلي المستوى (تهامة) ؛ وفي الحال تكشفت للأنظار كل المحلة المجاورة مع أبعاد البحر الزرقاء. وكانت مقدمة القافلة تبدو بوضوح ، وكانت الطلقات لا تزال تتعالى من هناك ؛ وقد تبين أن المغاربة أعربوا بذلك عن فرحهم لدن رؤية عنصرهم الطبيعي العزيز ، البحر.
أثناء هذا الانتقال من المدينة المنورة إلى ينبع ، اضطررت إلى معاناة عواقب ريح السأم التي كانت تهب بلا انقطاع تقريبا. وعند بئر السيّد أشار ميزان الحرارة في الظل إلى ٤٤ درجة ريومور فوق الصفر ، وهي أعلى درجة من الحرارة رأيتها في الحجاز. المرحلة الأخيرة من هذه البئر إلى ينبع كانت أطول المراحل ؛ وقد سارت القافلة بلا توقف ٢٠ ساعة بالضبط (١).
__________________
(١) «تركستانسكيي فيدوموستي» («أنباء تركستان») (١ ـ ٦ ـ ١٨٩٩) تعطي لوحة زاهية عن انطلاق الحجاج من استنبول : «كانون الثاني (يناير) ١٨٩٩ كان قطيع كبير من الجمال ذات السنامين المزينة بأشرطة متعددة الألوان ، وشبارق غنية من الديباج ، وشتى الخشخيشات وعشرات البغال تحت شقادف جميلة ومظلات ذهبية التلاوين ، وأخيرا ، فصيل كبير من الحمير البيضاء الصغيرة المحملة بصناديق حديدية والمرفقة «بزيبقين» شرسين يقطنون في ولاية ايدين ، جميعها تسير في هذه الأيام في جميع الشوارع الرئيسية بعاصمة السلطان التركي.
إن السلطان التركي ملزم ، بموجب عادة قديمة ، بأن يرسل سنويا إلى مكة ، قبل ١٥ يوما من رمضان ، قافلة مع الهدايا ووكيله الذي يقوم بالنيابة عنه ، أي عن السلطان ، بالرحلة المقررة قانونا للسجود أمام مقدسات مكة المكرّمة والمدينة المنورة. ومنذ ١٥٠ سنة كان يتعين على السلاطين أن يمضوا شخصيا إلى الأماكن المقدسة ؛ أما الآن فإن واجب السلطان في هذه الحال يؤديه الوكيل ؛ وهو عين السلطان يقوم بدور ـ