الحجاج غالبا ما يتعين عليهم أن ينتظروا طويلا في هذا المرفأ الرهيب اقلاع الباخرة أو انطلاق القافلة ؛ ففي هذه السنة بقي الذاهبون إلى المدينة المنورة ما لا يقل عن أسبوع ، وبقي الراحلون من الحجاز زهاء ٨ أيام ؛ ومن وصلوا مع القافلة الأولى بقوا أكثر من شهر.
وحجاجنا يبيتون هنا أيضا كما في جدّة مستأجرين غرفة واحدة لعدة أشخاص ؛ أما حجاج القوميات الأخرى ، كالمصريين والمغاربة ، فإنهم يدبرون لأنفسهم ظلاما في الشارع وعلى الساحل المنخفض ويعيشون في وسط القذر الرهيب والرائحة النتنة الكريهة.
تصل البواخر إلى ينبع بعد أن تقوم في البدء برحلة لنقل الحجاج من جدّة ؛ ونظرا للحجر الصحي ، حملت الحجاج على انتظارها في هذه السنة زمنا طويلا جدّا. وأخيرا أخذت تقترب ، وفتح العملاء مكاتبهم ، وبدأت المفاوضات بصدد أسعار التذاكر. في البدء طلبوا عن الدرجة الثالثة إلى القسطنطينية ٢ / ١ ٧ ليرات أي أكثر من ٦٣ روبلا. ولكن بما أن عدد الراغبين في السفر بهذا السعر العالي كان قليلا جدّا ، فقد خفضوا سعر التذكرة بعد يومين حتى ٦ ليرات (٥١ روبلا) ، وإذ ذاك فقط شرع الحجاج يشترون التذاكر. والباخرة التي سافرت على متنها كانت قد أخذت ٧٠٠ راكب ؛ ولكن رغبة في زيادة عددهم ، ارجأوا الاقلاع من يوم إلى يوم ، إلى أن احتشد الركاب أخيرا ، وقد فرغ صبرهم ، في جمع ضخم أمام مقر القائمقام وطفقوا يعربون بأصوات مدوية عن احتجاجهم ، متشكين من نقص المؤن والماء ، وشرعوا يطالبون باقلاع الباخرة ؛ وسرى مفعول الاحتجاج ، وبدأت الباخرة تولّد البخار ، وتأخذ الركاب ، واقلعت في ذلك اليوم بالذات. وقد قالوا لي أن القائمقام والعميل وربان الباخرة يحصلون على مداخيل كبيرة بفضل هذه الطريقة لبيع التذاكر. وأولئك الحجاج الذين صبروا طويلا اشتروا التذاكر بالسعر العادي المطبق في السنوات التي يقوم فيها الحجر الصحي أي بخمس ليرات للتذكرة. وعدا