طابع أوبئة الكوليرا المحلية
يستفاد من أقوال جميع من تسنى لي أن أتحادث معهم أن هذا الوباء يبدأ أحيانا عند عرفات ، ولكن بشكل ضعيف ، ولذا لا يسترعي الانتباه ، ولكنه ينشب في أغلب الأحيان في منى ويبلغ هنا قوته القصوى. وقالوا لي أنه إذا سارت جميع الأموال على ما يرام عند الانطلاق إلى عرفات وحتى مساء اليوم الأول من الاقامة في منى ، فمن الممكن الأمل في أن الوباء لن ينشب هذه السنة. ويتبين من الآراء العامة أن هذا الوباء يتميز هنا بطابع الانفجار الرهيب ويتواصل بشدة مخيفة طوال ٥ ـ ٧ أيام ثم يهدأ كذلك بسرعة. وبقدر ما استطعت أن أعرف من الأحاديث مع السكان والأطباء المحليين ، لا يوجد وباء الكوليرا في الحجاز بصورة مرض دائم ؛ وفي أغلبية الأحوال يلاحظ أن الحجاج من الهند يجلبونه معهم ؛ وأحيانا ينشب بصورة مستقلة تماما ، على ما يبدو ، في منى أو عند عرفات ، أو لربمان ، حتى في مكة ؛ وإذا كان في مكة لا يسفر عن نسبة كبيرة جدّا من الوفيات ، فإن مراقبته أصعب هناك مما عند عرفات أو في منى حيث كل شيء ظاهر للعيان نظرا لتجمع الحجاج في الخيام.
نشبت أرهب الأوبئة من حيث قوتها في السنوات التي كان يقع فيها الحج الكبير ، الذي يجتذب ، كما سبق أن قلنا ، عددا كبيرا جدّا من الحجاج ، وفي السنوات التي يجري فيها الحج في فصل القيظ. كذلك سمعت من عدد كبير جدّا من الناس أن وباء الكوليرا ينشب عادة في السنوات التي تكون فيها الجبال التي تحيط بفج منى مكسوة بالعتمة ؛ وبقدر من تكون العتمة كثيفة ، بقدر ما يكون الوباء قويا. وهذه الظاهرة تنجم ، أغلب الظن ، عن حالة الجو الخاصة وعن غياب التيارات في الهواء : وعلى هذه الأساس تنبأوا عند وصولنا إلى منى بأن الحج سيجري هذه السنة بسلامة ؛ الأمر الذي تحقق فعلا.